23 ديسمبر، 2024 2:36 م

مات الأنسان بداخلنا ..

مات الأنسان بداخلنا ..

من أجمل الأغاني للفنان الراقي ( كاظم الساهر ) أغنية ( بعد الحب وبعد العشرّة) …أنا هنا لا أريد التحدث عن هذه الأغنية الجميلة …بل أريد التحدث على بعض المفردات التي كتبها الشاعر المبدع ( كريم العراقي ) حيث ان هذه المفردات تنطبق الان على واقعنا الحالي ( المأساوي)…يقول كريم العراقي :
  الزمن أتغير لو أحنه بينا عيوب وبينا أخطاء
أحنه مجرد هيكل فارغ وأخذتنا الموجة العمياء
مات الحب مات الإحساس
مات النور اللي نهتدي بيه
مات الانسان بداخلنا ..مات
وحين نتأمل بهذه الكلمات نرى ان الكثير منها الان نلمسها ونعيشها للأسف ..حدثني أحد الأصدقاء …انه ذات يوم أستأجر سيارة أجرة للذهاب لزيارة شقيقه …يقول صديقي …تحدثت مع أبو ( التاكسي ) على الحي الذي اريد الذهاب اليه فنظر في وجهي متفحصا إياه ..أستغربت ذلك وجعلني أشعر بالريبة والخوف ..متسائلاً في داخلي ..لما هذا السائق ينظر أليّ هكذا …يكمل حديثه صديقي …توجهت بصحبة هذا السائق غريب الاطوار والذي حتى لم يبادر الى الترحاب بي  .. فمن المتعارف عليه بأدنى الحالات ان يقول لي ( الله بالخير أخوية ) باللهجة العراقية الدارجة .. لكنه لم يبادر بذلك ..أكملنا طريقنا بصمت مخيف الى أن وصلت الى بيت شقيقي فتحمدت الله وشكرته ألف مرة على نعمة الوصول بسلام …فقد كنت خائفاً ومرتعباً جداً من غرابة هذا السائق …ويكمل صديقي انني أجزم ان ذلك السائق كان خائفاً ومرتعباً مني أيضاً ..وهذا حقاً مايحصل الان …سابقاً كنا نتبادل أطراف الحديث مع سواق (التاكسي) والمجاملات الانسانية الجميلة وفي بعض الاحيان يصبح العديد منهم أصدقاء مقربين لنا جداً اما الان فقدنا الاحساس بالأمان والثقة المتبادلة وفقدنا كل شيء جميل….وانا في احدى المرات ..أستأجرت سيارة اجرة يقودها رجل في العقد الخامس من عمره …بادر ألي بترحيب وبشاشه انسانية جميلة …ثم أطلق تنهيده عميقه معبراً عن استياءه من هذا الوضع المزري …فقلت له مابالك يا أخي ؟ فرد عليّ قائلاً : يا أخي هل تصدق ان قلت لك …انا كل يوم انهض عند الساعة السابعة صباحاً اقوم بإداء صلاتي واجهز سيارتي هذه المتواضعة للاستعداد للخروج للعمل ( على باب الله ) ..واستطرق مكملاً حديثه لي وقد تلألأت عيناه بالدموع …هل تصدق انني في كل صباح وقبل الخروج اذهب الى اولادي النائمين أقبّلهم جميعاً واخرج …أتعرف لماذا ؟ لانني لست متأكداً انني سأرجع أليهم سالماً معافى !!..
صدمني كثيراً كلام هذا السائق وشعرت بالألم الذي يسكن صدره …فقلت له …الله كريم اخي  …لن يبقى الحال كما هو عليه ..رغم انني اتفق معه بكل ما قاله ..
فشعورنا الدائم بعدم الامان جعلنا نفتقر الى اغلب احاسيسنا الانسانية …وتجعلنا نشعر اننا نعيش في غابة مليئة بالوحوش ..
حدثتني احدى الناشطات العاملات بالمجتمع المدني …انها ذات مرة ذهبت الى محافظة اربيل في اقليم كوردستان العراق للمشاركة في مؤتمر دولي …تقول صديقتنا الناشطة ….عندما عدت الى بغداد استأجرت سيارة أجرة من مرآب النهضة الى البيت وكنت احمل معي حقيبة ملابسي وحقيبة اخرى تضم هدايا بسيطة وألعاب اطفال اشتريتهم من اربيل لأولاد اخي المرحوم ..فهم يتامى وأحببت ان ادخل الفرحة في قلوبهم الصغيرة …فتذكرت اثناء جلوسي في ( التاكسي) انني بحاجة الى التوقف قرب احدى الصيدليات لشراء بعض الأدوية المهمة ..فطلبت من السائق التوقف قليلاً ودخلت الصيدلية …وفجأة انتبهت الى ان السائق قام بالانطلاق مسرعاً بالحقائب …متصوراً ان فيها كنز سليمان !! …
هل هكذا أصبحنا عديمي الضمير والرحمة ؟ لم تكن من شيّمنا واخلاقنا هذه الأفعال …لكن أعتقد اننا بحاجه الى أعادة التفكير بكل ما نقوم به …ذكر لي احد السياسيين خلال لقاء صحفي جملة الى اليوم اتذكرها واتعمق بها … قال ( يجب إعمار النفوس قبل إعمار البلد ) …حقاً ..أؤيد هذا السياسي فيما قاله ….فالبنية التحتية للمجتمع مهشمة تحتاج الى إعمار حقيقي ينبع من داخلنا …ونبحث من جديد عن الانسان الذي فقدناه !!