توفي اليوم الشاب العراقي الخلوق جدا ، المحبوب والمتواضع جدا جدا “ابراهيم ” الذي عانى من مرض الثلاسيميا طويلا شأنه في ذلك شأن المئات من أقرانه مع إن الابتسامة لم تكن تفارق محياه يوما ، كنا نلتقي في السنة مرة واحدة وتحديدا في رمضان على وجبة إفطار جماعية فكان يملأ المجلس بهجة وحيوية وفيضا من حب وإنسانية ، صابرا محتسبا على ما ألمَّ به من ألم ولكأني به وهو يردد قول السياب :
“لك الحمد مهما إستطال البلاء ومهما إستبدّ الألم، لك الحمد، إن الرزايا عطاء وإن المصيبات بعض الكرم” .
مات اليوم من لم أكن أعرف شيئا قط عن مرضه الوراثي العضال قبل معرفتي بحالته عام 2009 ، وبعد التقصي عن أسباب المرض ومعاناته ولقائي به شخصيا والذهاب معه مرة واحدة الى القسم المخصص لنقل الدم بمستشفى الكرامة كل 3- 4اسابيع لأمثاله من ضحايا المرض ، مع حقن الدسفرال والفولك اسيد ومنذ ذلك الحين وأنا أتابع وأكتب عن معاناة ضحايا هذا المرض ليس مع أعراضه المؤلمة لفرائسه فحسب بل ومعاناتهم الكبرى مع الذين منعوا عنهم الدواء عمدا لا سهوا كذلك بذريعة قلة التخصيصات فيما الحقيقة الدامغة هي كثرة السرقات والاختلاسات والتسريبات للادوية من المخازن الى السوق السوداء ومواصلة عقد الصفقات المشبوهة لشراء الأدوية والعقاقير نافدة الصلاحيات ، فبعد أن كان الدواء مجانيا ومدعوما من قبل الجهات الحكومية أصبح شحيحا يباع في الصيدليات مقابل 400$ للوجبة الواحدة ما إضطر الكثير منهم للتلكؤ في أخذ الجرعات اللازمة بمواعيدها المقررة لما يعانونه من فقر وفاقة وبطالة خانقة ما أدى الى مضاعفات كثيرة لأكثرهم ولعل ” ابراهيم ” واحدا منهم اذ أصيب بجلطة دماغية نتيجة لذلك قبل فترة ليفارقنا اليوم الى رب رحيم لايظلم عنده بخلاف الحياة الدنيا أحد .
وداعا ابراهيم وعهدا لك مني بأن يكون أطفال ضحايا الثلاسيميا ، اللوكيميا ، تصلب الاعصاب اللويحي ، فقرالدم الحاد ،ذوو الإحتياجات الخاصة، الايتام ، أطفال التوحد ، متلازمة داون وأمثالهم من الأطفال المعذبين والمشردين والمحرومين والنازحين في الارض عموما ، وفي العراق على وجه الخصوص ، رسالتي في هذه الحياة القصيرة المتسمة محليا بكثير من العبث والفوضى العارمة في عراق اللصوص والأربعين الف سياسي حرامي متعدد الولاء والتبعية والجنسية ، بعضهم يرتدي القبعة وبعضهم يلبس العمامة ..بعضهم يلبس العقال وبعضهم يحمل فوق رأسه وفي جمجمته إنحطاطا فكريا وعقديا لا نهائيا ووووقمامة – ما بقي لي في هذه الحياة بقية !
المطلوب اليوم هو رفع أسماء السياسيين من واجهات مستشفياتنا فورا فإنهم لا يستحقون ذلك البتة ، ووضع أسماء ضحايا نقص الغذاء والدواء من المظلومين والفقراء والمساكين بدلا منهم !
مستشفيات عراقية حكومية بنتها الانظمة السابقة الجمهورية والملكية قامت فزاعات النظام الحالي وهو أسوأ نظام حكم البلاد يوما على الاطلاق بتسمية كل مستشفى منها بإسم فلان وعلان وهذا كل ما قاموا به من تغيير حتى الان لا أكثر مع إن هؤلاء لم يتبرعوا للمستشفيات التي تحمل أسماءهم وراياتهم يوما ولو بجهاز لقياس الضغط ، كرسي متحرك ، جهاز للطرد المركزي ،سدية لنقل المرضى ، أدوية ، أسِرَة ، أغطية ، فرش ، حقن ولطالما سألت وأسأل الأتباع الفرحين بعبوديتهم اللامتناهية لأسيادهم الضاحكين على ذقونهم دوما ” ماذا صنعوا لكم لترفعوا صورهم وراياتهم وتضعوا أسماءهم على مستشفياتنا ؟” إنهم يستكثرون عليكم برغم ملياراتهم المكدسة ومولاتهم وفنادقهم وأبراجهم وقصورهم وطائراتهم الخاصة ومواكبهم الطويلة من جراء الصفقات المشبوهة شراء أجهزة للرنين المغناطيسي مخصصة لعلاجكم ..مفراس ..جهاز أشعة ..إيكو ..ليزر لإجراء العمليات من غير تداخل جراحي ، فعلام تقدسونهم ؟
لقد مات منكم الملايين بسبب نقص الدواء وتلف الغذاء وتقادم الأجهزة والمعدات الطبية ، فلِمَ تضعون أسماءهم وترفعون راياتهم التي أصبحت علامة فارقة للبؤس والضياع والفاقة والموت الزؤام ويكفيك أن تشاهد راية منها لتعلم علم اليقين بأن الموت والضياع كامن تحتها وعن يمينها وشمالها وبين يديها من خلف وأمام ؟ أزيلوها فورا أو ليثبت المرفوعة صورهم أنهم تبرعوا يوما لعلاج المرضى في تلكم المؤسسات الطبية المتهالكة الى حد اللعنة لخدمة أتباعهم ومواطنيهم لا رياء ولا بطرا ولا اشرا !
لاحظ انني لم أتحدث هنا عن بناء مستشفى ، مستوصف ، مركز صحي ، جسر ، مدرسة ، جامعة ، مصنع ، لأنها في ظل حكم هؤلاء النكرات مجرد أمنيات أغرب من الخيال لايمكن تحقيقها على يد إمعات الشرق والغرب إطلاقا ، اللهم أبدل حكم الفاسدين وأزل ملك المفسدين يا الله ياقدير وأنقله لآخرين لترتاح جموع الملايين !
ولا يسعني في الختام الا أن أتمثل قوله صلى الله عليه وسلم يوم وفاة ولده ابراهيم : “إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون” .
اودعناكم اغاتي