أنه لمن الطبيعي ان يحدث سقوط السلطة السابقة زلزالا في كافة أركان الدولة العراقية التي نشأت وترعرعت على منهج القمع والتعسف ولمدة أربعة عقود سود من الحكم العسكري الدكتاتوري ونتيجة ذلك لا بد ان تنشأ كتل وحركات وتتبلور مواقف بعضها مساند لعملية التغيير والبعض الآخر رافض ومشكك، وآخرون ساخطون ومناوئون لها. والآن وبعد مضي هذه الفترة الطويلة وما تخللها من أعمال قتل وخطف وتخريب وتهجير ودمار طالت جميع شرائح المجتمع وأتت على الكثير من بنى الدولة التحتية وبأمكر وأخبث وأخس الأساليب وأبشع وسائل الاجرام بعد كل هذا لا بد ان يعي الجميع ان كل ذلك لم يلحق الضرر الا بالعراق وأهله، وأنه لا يمكن عودة المعادلة السابقة خاصة وان الثمن الذي دفعته الجماهير المكدودة يدفعها الى التشبث بأسس دولة القانون التي تقوم على العدل والديمقراطية واطلاق الحريات كما ان الأساليب الاجرامية التي تبناها أتباع السلطة السابقة زادت النفوس نفورا وأسقطت كل رموز تلك السلطة ومؤيديها في نظر الجميع، وهذا بدوره أقنع كل أطراف العملية السياسية بشقيها المؤيد والمناهض وأوصلهم الى حقيقة مفادها ان عجلة التغيير لن ترجع الى الوراء وان المواقف المتباعدة لا تفرز سوى الاحتقان والفشل المستمر وان لا جدوى من استمرارها بعد هذا الفصل الدموي من تاريخ العراق والذي قارب سنته الرابعة عشرة، وان جراح العراق لا تندمل إلا على يد أهله، بحيث تحسس الجميع بضراوة الخطر الزاحف من الخارج والذي لا يستثني احدا، نتيجة التدخلات الخبيثة التي زادت الجراح عمقا ونزفا، فكان لزاما ان يهرع المخلصون- ممن تهمهم مصلحة العراق وشعبه الصابر- الى طاولة الحوار الأخوي البناء.ولكي تحقق هذه الحوارات النتيجة المرجوة يتوجب على جميع الفرقاء الابتعاد عن النظرة الضيقة القائمة على تحقيق مصلحة آنية تصب في خدمة الكتلة أو الطائفة أو المنطقة والعشيرة ففي ذلك امتداد لثقافة الحزب الواحد التي أسست وتسببت في نشوء نظام المحاصصة والذي لم يستطع بناء دولة القانون والاستقرار بالرغم من مضي أكثر من ثلاثة عشر عاما.ومن هنا صار الإنتقال من مرحلة المحاصصة التي أثبتت إخفاقها الى مرحلة المصلحة الوطنية العليا على ان تتكثف جميع الجهود على ايجاد آليات جديدة للتخلص من كل المعوقات التي تعرقل تحقيق هذا المشروع الوطني.ان فرقاء العملية السياسية أمام فرصة تأريخية للوصول بعملية التغيير الى بر الأمان بعدما توفرت أسباب اللقاء على مختلف الصعد وبعدما وصلت الأمور الى حافة المنعطف الحرج.. وبلغت القلوب الحناجر وليتذكروا ان الفرص تمر مرّ السحاب