حين تجري بك الدنيا وأنت تجرها وتجرك .
حين تدور بك الأفلاك من حال الى حال . . هبوط ، صعود ، خيبة ، نجاح ، هبوط ، صعود . .
وهي تقودك نحو المطامع والغايات والطموحات ، تجرجرك ، في الوقت الذي تظن انك أنت من يجرجرها ويقودها ، ناحية اليمين وناحية الشمال .
تختمر أنت جيدا في لجة التجارب ، وتنصهر مع الأفعال والأقوال ، أو ، مع الصمت والأستكانة واللاأفعال . . اذ تتموج بين هذا وذاك .
ويصبح صدرك ورأسك عامرا بفعل الدنيا والتطورات والأحداث التي (( دعكتك وصقلتك )) وبنت عودك ، وبنيت فيها ذاتك التي أنت عليها .
حين يجري عليك كل ذلك . .
وحين تكون الأيام والسنوات قد طوت بعضها تباعا ، متسارعة ، لم تنتظرك ولم تنتظر غيرك .
عند ذاك ، في دقائق صمت ، أو ، هدوء واستكانة وسلام مع نفسك ، تكتشف وتشعر :-
ان هنالك الكثير مما كان يجب قوله . . والكثير مما كان يجب فعله .
تكتشف انك قد ضيعت لحظة حانية لسبب لم توضحه جيدا، وكان يجب توضيحه كما يجب وقتذاك .
أو ، انك فقدت حرارة مودة لسبب اختلط عليك أسوده وأبيضه .
أو ، انك قد كنت في المكان غير المطلوب وغير الذي كان يجب أن يكون .
أو ، قلت الكلام الغير واجب قوله .
أو ، فعلت الفعل غير الذي كان يجب فعله .
فبعد مضي الزمن ، تنجلي الأندفاعات والهواجس والمشاعر والعلاقات جيدا ، وتتضح رؤيتها أكثر ، تتكشف ملامحها الدفينة التي لم تظهر لك وقتذاك . وتتضح أنت لنفسك أكثر وتظهر لك ملامحك الخبيئة التي لم تكن تراها وقتذاك .
تكتشف كل هذا في لحظة حنو ، أو ، دقائق صفاء مع نفسك .
بعد أن يكون غبار الرحلة والجولة التي كانت قد هبط الى الأرض وأراخ حمله وولى واندثر مع الأيام التي تطوي بعضها متسارعة ، اذا كانت لك أو عليك ، كله ذهب وانجلى غباره منذ زمن تعرفه أنت في قرارة نفسك .
والذي تبقى لك هو ماتعايشه الآن وتعاقره في لحظات سكونك الى نفسك وفي دقائق صفاء سريرتك ونقائها . اذ يعود بك الزمن الى الوراء القريب أو البعيد ، لتجد ان هنالك ثمة مالم تقله مما كان يجب قوله ، وثمة مالم تفعله مما كان يجب فعله . وتجد أيضا ان ثمة ماكان يجب ان لاتقله مما قلته وان لاتفعله ممافعلته وقمت به .
وان ثمة أب أو أم ، زوج أو زوجة ، ابن أو بنت ، أخ ، أخت ، قريب ، جار ، صديق ، صديقة ، حبيب ، حبيبة ، شريك ، شريكة ، عابر أو عابرة عن طريق مصادفة . . . كثير من المسميات والعناوين . . كثير من الأقوال والأفعال ، صغيرة أو كبيرة . . . كثير من نظرات العيون ، ايماءات الوجوه ، نبضات الأوردة ، التي كان يجب ان تكون هكذا ، ولاتكون هكذا ، لنا أو علينا .
انها عذاباتنا . . ماتدفنه نفوسنا . .
أشجاننا المتراكمة مع الأيام والسنين لأسباب كهذه ، بصغرها وكبرها ، التي تظل ترافقنا ، ونحملها نحن فقط في قرارة نفوسنا الدفينة .