23 ديسمبر، 2024 4:20 م

مابين المواطن والمسؤول … ازمة ثقة

مابين المواطن والمسؤول … ازمة ثقة

لاكثر من عشر سنوات لازلنا في بلدنا العراق نراقب ونراقب . لازلنا كل يوم نتلهف ونرنو للافضل لكن واقعنا يفرض علينا توجهات ورؤى جديدة واولويات تفرض علينا فرضا وضروريات تبيح المحضورات. فأين نحن منها ؟ واين هي منا ؟

اليوم نتلقى تصريح المتحدث باسم السلطة القضائية القاضي عبد الستار البيرقدار، عن اعتبار السب والشتم الذي يتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي “الفيسبوك ” بأنه جريمة يعاقب عليها القانون ويتعامل معهما كأنها تمت عبر وسائل الإعلام ذلك لان محكمة استئناف الرصافة اعتبرت مواقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” وغيرها وسائل إعلام، وعليه فان جريمة القذف والشتم التي تتم عن طريق هذه الوسائل للتواصل الاجتماعي هي نفسها كتلك التي تتم عبر وسائل الإعلام الاخرى كالفضائيات والصحف، اي انها ستكون مشمولة بذات العقوبة في حال إثباتها.

في المقابل رأينا ضجة من اكثر المتابعين والمستخدمين لهذه الوسائل بالاعتراض والاستهجان والسخرية، ذلك يأتي من باب انهم اعتبروا هذا المنع تكميم للافواه وضد حرية الافراد . اضف الى ذلك اعتبروه بانه قرار حكومي ويندرج ضمن سياسية الحكومة التي تنتهج هذا الاسلوب وهذه السياسة لغرض من الاغراض وهو ارهاب الشعب من ممارسة دوره الرقابي.

بينما الحقيقة غير ذلك ، فلو تمعنا بالتصريح واستعنا بمختصين قانونيين نرى ان الامر لايعد الا كونه تهذيبا وحفظ لحقوق الناس بان لايتعدى شخصا على اخر بهذه الطريقة وهي السب والشتم والقدح. وذلك لاكثر من سبب: اولها ان القرار صادر من سلطة القضاء وليس للحكومة دخل . والثاني ان الجديد في الامر هو اعتبار مواقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” وسائل اعلام اي ان القانون موجود اصلا ومعمول به في بقية وسائل الاعلام الاخرى كالفضائيات والصحف. والثالث منذ متى اصبح السب والشتم والتجريح للاشخاص باي صفة كانوا هو حرية ؟ لانعلم ان القدح وشتم الاشخاص هو مبدئية من المباديء الانسانية؟ ناهيك عن انه منبوذ اخلاقيا وشرعا منذ القدم . وان تواجد هنا وهناك فهو بالضد من قوانين المنطق والحكمة. ولا اشذ عن الموضوع لو اتيت بآيات قرآنية و أحاديث نبوية او اقوال لأئمة اهل البيت او الصحابة والتابعين ومن عرف بالحكمة وهي ان اشرنا اليها الكثير منا يفقهها ويعرفها وسمع بها فالعارف لايعرف.

الاشكال اليوم هو مسألة الذوق العام وللاسف هي مسألة مرتبطة بلغة احيانا كثيرة وقبل عقد من الزمن نطلق عليها “لغة الشوارع” و”الفاظ سوقية” . ولانها تسللت الى معظم بيوتنا وغرفنا من خلال عدة عوامل اولها تأثير الاعلام الهابط والاتي من خلال القنوات الفضائية وبرامجها الغير متحفظة على هكذا اخلاقيات والادهى ما يتقوم به قنوات الفتنة المذهبية والطائفية في شرعنة الاخلاق البذيئة واستعمالها مماتسبب شيوعها بين العامة وبذلك يستسلم ويسلم لمن صوته اعلى او اكثر عددا والذي يطلق عليه ايضا “طريقة التفكير الشمولية” ، وهناك مثل شعبي قديم يقول ” سويته سوية الستين” او “حشر مع الناس عيد” .

وهناك مسألة مهمة وخطرة للغاية انوه لها . وهي ان الثقة بين الحكومة والشعب تكاد تنفرط كأنفراط العقد ان لم تكن انفرطت بالفعل. فكل مايصدر عن الدولة يكاد يساء الضن به . فاي عمل يأتي به مسؤول صالح يحاول النيل منه ويفسر بسوء نية ولا يراعى به المصلحة والوجه الحقيقي المقام لاجله . واما الاسباب فيتحملها المسؤول اولا وبشكل مباشر وقوي لافراطه بتعميق الثغرة وتوسيع الفجوة بينه وبين البسطاء من غالبية الشعب العراقي من خلال الامتيازات والاستحقاقات المالية ومايلحق بها . اننا اليوم امام ازمة ثقة وانعدام الثقة لاينفع معه اي علاج الا التغيير الشامل والجذري لان الشبهة قائمة مادام المشبوهين متواجدين في الصورة كأحزاب ورموز وحركات وشخصيات سياسية وايضا بسبب التحامل من قبل الشعب على الحكومة ككل.

وفي الطرف المقابل مسؤوليتنا كمواطنين وشعب بكامل اطيافه . استوقفكم لحظة من فضلكم سيداتي سادتي لنقف عندها وهي اننا نطالب المسؤول ان يرفعنا الى درجة ومصاف الدول الحضارية المتقدمة وفي نفس الوقت لا نرقى في تعاملنا الى شعوب هذه الدول او نأتي باقل تكليف يلزمه شرعنا علينا. الامثلة كثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر : نظافة الشوارع والاماكن العامة ورمي المخلفات في اماكنها ، اين ثقافة الالتزام بها ؟ الشعور بالمسؤولية في الابلاغ عن

الحالات المشبوهة من فساد اداري او خلايا ارهابية او اجرامية ، اين ثقافة الالتزام بها ؟ او ترميم وتصليح المرافق العامة ذات الاعطال البسيطة والمحافظة عليها ، اين ثقافة الالتزام بها ؟ قانون المرور ولبس حزام الامان ، اين ثقافة الالتزام بها ؟ تعليم الاطفال وتربيتهم من غير الضرب (سواء المبرح او مادونه) ، اين ثقافة الالتزام بها ؟ حفظ اللسان والحريات للاخرين وعدم التدخل بشؤون الاخرين افرادا او جماعات ، اين ثقافة الالتزام بها ؟ التكافل الاجتماعي والحث على العمل التطوعي من غير اجر ، اين ثقافة الاستمرار به؟ الجميع مر بحالة وممارسة ايجابية خاصة ايام زيارة الاربعين “المشاية” للامام الحسين ع من تكافل اجتماعي وعمل تطوعي وغيره من امور ايجابية. لماذا لايستمر الشعور بهذه الحالة على طول ايام السنة؟ فهي دعوة للكل ان يستمر بها.

اخيرا حالة النقد الموضوعي موجودة فلماذا لا نستغلها وننصف انفسنا ومجتمعنا بها في تأشير الفاسد والمخطيء من غير الاسلوب السوقي البذيء؟ فيمكننا الاستفادة من اسلوب قانوني وهو الحملة او الحملات وهي تحشيد الرأي العام ضد ظاهرة ما بالاشارة اليها وتشخيصها وجمع الدلائل لاجل اثباتها والتحقق منها ثم عرضها على الرأي العام وبذلك تضمن القضاء معك والاغلبية الصامتة وبقية الرأي العام. قد تأخذ منا وقتا الا انها وسيلة مهمة وعلمية وشرعية لكشف الفساد وتصحيح المسار . وبعكسه فالكسل والضعف هو ما يلازمنا وكثرة الاقوال لا الافعال والاغراق بالشائعات ينال منا وفي النهاية سيبقى الحال كما هو عليه ولا تقوم لنا قائمة وتذكروا “… إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ …” (سورة الرعد/ آية 11) .