9 أبريل، 2024 5:23 ص
Search
Close this search box.

مابين الدب الروسي والثور الأمريكي..عقيدة القوّة أم قوة العقيدة!

Facebook
Twitter
LinkedIn

الحديث يتعلق بالسجال السياسي الروسي الأمريكي وسباق التسلح والتنافس في الشرق الأوسط .
فلاديمير بوتين ليس سكرتير الحزب الشيوعي.. وكونه رئيس الإتحاد الروسي فالأمر مختلف عن الإتحاد السوفيتي في معادلة توازن ثنائية8 الجدل الديالكتيكي إذا حاولنا تفسير الصراع بمنهج أقرب لفيزياء السياسة من التاريخ.. لكنّ الحقائق في تجلياتها تشبه الأشجار التي تنزع أوراقها بتبدل المواسم، وللطبيعة أحكام لا تختلف عن سنن تقلب المناخ وحالة تكرار حيثياته؟ كان سقوط الشيوعية أشبه بعاصفة ثلجيّة إجتاحت مجموعة دول تدين بعقيدتها بلا موعد يحسب حسابه.. تلك العاصفة فعلت فعلها بتجريد الأشجار من أوراقها وهذبت بعض السيقان أو اقتلعت ما لا يصمد أمام حُكم نواميس الحضارة . ما بين نُبل القياصرة والقبضة الفولاذيّة لعهد جوزيف ستالين يمكننا أن نقيس مسافة الهيمنة في عقل الرئيس فلاديمير بوتين، فقط هنالك ملاحظة جوهريّة تخص استمداد الحق الشرعي للسلطان.. قطعا إن بوتين ليس القيصر الذي تمنحه الكنيسة الروسيّة حق إلهيّا، وهو لا يستحق التاج المرصّع بطلاسم الثورة البلشفيّة المُعبّر عن ديكتاتوريّة البروليتاريا في العقيدة اللينيّة الماركسيّة.. فمن يكون إذن؟ لسنا بمعرض الكلام عن شخصيّة الرجله بقدر ما نعني وزن الرئاسة بمعيار النظام الذي تمثله.. روسيا دولة اتحادية بنظام جمهوري شبه رئاسي يضم أكثر من سبعين كيان، وهي أكبر دولة في العالم حيث تزيد مساحتها عن 17 مليون كيلو متر مربع . كما أن هذه الدولة قد ورثت أكبر ترسانة سلاح نووي إضافة إلى تركة مصانع كبيرة جدا للأسلحة العسكرية التقليدية وصناعة الطائرات مع ثروة طبيعية هائلة من البترول والغاز والمعادن والغابات الطبيعية وغيرها من المقدرات والروافد الاقتصادية، كذلك عدد من سكان يناهز 150 مليون نسمة كثروة بشريّة . بموجب هذا المعيار فإن السيد بوتين رئيس لدولة عظمى لا تدنو عن الولايات المتحدة الأمريكية وهي تنافسها عالميّا وليس من العدل أن يتبجّح سمسار وبهلوان مثل ترمب لا يمتلك رصيدا من مؤهلات الزعامة أمام عقل استخباري مخضرم خدم في ألمانيا الشرقية و كان لديه مركزا أكاديميّا ويمتلك مفاتيح أسرار حكم دولة عميقة لمستوى البرمجة على الإدارة بقبضة حديديّة.. حقا إن روسيا قويّة وتزداد قوة كما قال الرئيس بوتين في معرض استهجانه لإستراتيجية الرئيس الأمريكي ترمب معتبرا إيّاها عدائية . كان الصراع بين الشيوعية والإمبريالية صراعا أيديولوجيا بين نظام اشتراكي ونظام رأسمالي، وكانت الدول تدور في فلكيهما تبعا لطبيعة أنظمتها بما فرضته المصالح وما ترشّح عن السياسة العالمية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، أو ما كان يترتب جرّاء الحرب الباردة بين القطبين والمتغيرات التي طرأت بسبب ثورات التحرر.. ثم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وما تمخّض عن تفكك الدول المنضوية تحت مظلته وانضمام بعضها للاتحاد الأوربي، إضافة لتساقط أنظمة راديكالية سمحت لنفسها بالاستقلال وفق منظور الحياد وعدم الانحياز، ومع التغيرات الكبيرة المتوالية التي عصفت بالشرق الأوسط منذ احتلال العراق في 2003 وتدميره من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وما تلا هذا الاحتلال من تداعيات لازال العالم يشهدها.. خلال هذه الفترة كانت روسيا تعيد توازنها لتستعيد مكانتها كقوّة عالمية عظمى، عموما هذا طموح مُتاح أمام تخبط السياسة الأمريكية إذا تجاوز الروس حدود أطماع الهيمنة الاستعمارية بفرض قوتهم لتحقيق منظومة تماسك دولية تلبي طموح الشعوب وتحقق الاستقرار في الشرق الأوسط بالتعاون مع دول القارات الثلاثة آسيا وأوربا وأفريقيا . خلاف ذلك روسيا لا تمتلك مشروع يتيح لها أن تفرض قوة مهيمنة في محيطها وسوف تصطدم بموانع تستنزف طاقتها وتقزم حجمها.. بلا شك أن روسيا قد ارتكبت خطأ كبير بمساندتها لحكومة بشار الأسد في سوريا، كان يمكن لروسيا أن تكسب جميع الشعوب العربية والإسلامية لو أنها وقفت مع الشعب السوري وتقطع الطريق على توغل أمريكا من خلال امتلاك ناصية المدّ الشعبي وتحريكه ضد السياسة الأمريكيّة . إن أحد أهم أسباب انهيار الإتحاد السوفيتي تخليه عن مبادئ أيديولوجيته الأممية مقابل لعبة السياسة الدولية وعقد الصفقات السريّة مع الغرب لقاء مكاسب كان يحققها على حساب الشعوب التي تقبلت الشيوعية من أجل التحرر وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، فبينما كانت الشيوعية تقضّ مضاجع السياسة الإمبريالية في أمريكا الجنوبية ودول الشرق الأوسط.. كان زعماء الكرملين في روسيا يقايضون أو يبيعون تلك الشعوب ولا يدركون بأن مصدر قوتهم العظمى يكمن في العقيدة الأممية وليس بترسانة أسلحة التدمير الشامل، قبل أن يسقط الاتحاد السوفيتي، سقطت الأحزاب الشيوعية في العراق واليمن وإيران والسودان وتونس وفي كثير من دول العالم ؟ بدون مبررات سوى فشل القيادة السوفيتية أن تكون قيادة أمميّة . لقد نجح الرئيس بوتين في إرساء دعائم نظام دولة عظمى بحدود الإتحاد الروسي، لكن طموحه لأبعد من حدود إتحاد دولته يحتاج الى عقد سياسي يتيح له استيعاب كل التناقضات.. وعليه أن لا يكون بديلا لملئ الفراغ السياسي الذي يتسع بسبب تفاقم فشل السياسة الأمريكية . نتأمل من الرئيس بوتين أن لا ينجرف إلى لعبة الحرب الباردة وسباق التسلح الذي سينهك الاقتصاد الروسي بلا طائل، إن منطقة الشرق الأوسط خاصة وآسيا عموما تحتاج إلى مشروع كبير يوازي مشروع الاتحاد الأوربي ويحاكيه في تحقيق طموح الشعوب في ضمان أمنها واستقرارها وتطورها الحضاري وبإمكان الإتحاد الروسي أن يضمن نجاح مثل هذا المشروع الإستراتيجي . إن منطق القوّة لا يتحدد وف معايير القدرة على التدمير النووي وعدد الصواريخ العابرة للقارات.. تلك القدرة التي لا تتعدى كونها قوة ردع غير قابلة للاستعمال أو أنها ستدمر من يبادر في استعمالها.. القوّة العظمى هي القوّة التي تتعايش مع الأمم بمنظور الاحترام لمن يمتلك مقوماتها، والتي تحافظ بفرض إرادتها على تحقيق السلام والأمن الدولي، وليس تأجيج الصراعات والاتجار بمصير الشعوب وسحق مقدرات وجودها الحضاري .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب