يبدو ان هناك بعض القلق في بعض الأوساط الأمريكية من توجه بعض الأطراف والأحزاب الشيعية العراقية المشاركة فعلاً في العملية السياسية الى تبني جبهة المعارضة في مجلس النواب العراقي كما تبناه تيار الحكمة وإحتمالية الإنضمام اليه من قبل أطراف وأحزاب شيعية أخرى . ويُستٓشف مثل هذا القلق من تصريح دوغلاس سيليمان السفير الأمريكي السابق في العراق على أساس إن مثل هذا الإجراء ما هو إلا تلاعب أو تحايل سياسي لضمان ديمومة بقاء الأحزاب الشيعية في السلطة سواء نجحت الحكومة في برنامجها الحكومي أم فشلت ، ففي كلتا الحالتين ستتصدر الأحزاب الشيعية المشهد السياسي . ويبدو ان القلق الأمريكي في محله ،حيث ان منبع الخطر من كل ذلك هو الشعور السائد بأن معظم الأحزاب والأطراف الشيعية في السلطة إذا لم تكن جميعها تولي ولائها للجمهورية الإسلامية في إيران علناً أو سراً مباشرةً أو بصورة غير مباشرة . أي إن الفلسفة والعقيدة المذهبية المتأصلة في ذهنية قيادات تلك الأحزاب تقوم على أساس الشعور الضمني لمبدأ ” إيران أولاً والعراق ثانياً ” وهو ما يعكسه سلوكيات وتصرفات وتصريحات قيادات وكوادر تلك الأحزاب ومليشياتها المسلحة حتى وإن كانت تبدو في بعض الأحيان ذات طابع وطني بحت ولكنه شكلي أكثر مما هو حقيقي . ويبدو ان قلق بعض الأوساط الأمريكية من هذا الأمر مبني على دلائل ووقائع يأتي في مقدمتها خضوع معظم القرارات المهمة والمصيرية التي يتخذها الساسة العراقيون المتصدرين للمشهد السياسي للتوجيهات والإرادة الإيرانية . فالتدخل الإيراني في الشأن العراقي واضح بشكل مباشر أو غير مباشر ، وكثيراً ما يطلق على معظم القيادات الشيعية العراقية المؤثرين بالمشهد السياسي ” برجال إيران في العراق ” .
من البديهي إن النظام السياسي الحالي في العراق الموالي لإيران لا يخدم الولايات المتحدة الأمريكية في صراعها الحالي مع الجمهورية الإسلامية في إيران من ناحية ولا يخدم طموحاتها ومصالحها في منطقة الخليج عموماً . ونتيجة لسوء تقدير الإدارة الأمريكية تعاظم دور إيران في العراق والمنطقة وإنحسر دور وقوة تأثير الولايات المتحدة في العراق والمنطقة خصوصاً بعد ترسيخ تأثير إيران من خلال أذرعها المسلحة في العراق وسوريا واليمن ولبنان ومناطق أخرى كأفغانستان وغيرها مما عقد المشهد تماماً أمام الإدارة الأمريكية لمعالجة الظروف والأحداث ومواجهة تحديات إيران . وهذا ما يفسر تردد الإدارة الأمريكية من أي مواجهة عسكرية مع إيران في المرحلة الحالية . وعليه لم يصبح أمام الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المرحلة إلا تحجيم التأثير الشيعي في المشهد السياسي العراقي أولاً بالرغم من عدم وضوح السيناريو الذي ستتبناه الإدارة الأمريكية بهذا الخصوص ، ولكن بإستطاعتها من خلال تواجدها في قواعدها في العراق من أن تحقق ذلك الهدف وذلك من خلال محورين : المحور الأول الدعم الحقيقي لأقليم كردستان في شمال العراق والوقوف بحزم لجانبه لحل القضايا والمشاكل العالقة مع الحكومة الإتحادية مع الدفع بإتجاه توحيد الموقف الكردي وإنجاح عملية ضم كركوك الى سيطرة الأقليم . أما المحور الثاني فسيكون بإتجاه تشجيع المحافظات الغربية لإنشاء إقليمهم الفيدرالي على غرار إقليم كردستان ودعمهم بهذا الإتجاه بمختلف الوسائل . وبذلك يمكن تأمين إقليمين للحكم الذاتي والتي ستضم حوالي نصف مساحة العراق ومحافظاتها ، وهذا يعني ضعف الحكومة الإتحادية ذات الصبغة الشيعية مما سيحجم من التأثير الإيراني في العراق وبذلك تستطيع الولايات المتحدة من أن تعزز من وجودها خصوصاً إذا دعمت هي وبعض الدول في المنطقة للإقليمين الفيدراليين وتعزيز وتشجيع الإستثمارات فيها وتحقيق حالة متميزة من التطور والرفاه والأمان وإستقرار أهلها في هذه المناطق . وسوف يساعد مثل هذا الإجراء على إنقلاب محافظات الجنوب الشيعية على قياداتها وحكامها عندما سيلاحظون الفرق الشاسع بين واقعهم وواقع أقاليم الحكم الذاتي مما سيعمق الخلافات والصراعات بين الأحزاب الإسلامية الشيعية للسيطرة والإستحواذ على ما تبقى من العراق . وبهذا ستكون نهايتهم في حكم العراق .