مع تعدد المهام وزحمة الواجبات التي تناط بنا، تتأرجح الإنجازات عادة بين مرضية وخاذلة، والأخيرة هذه غالبا مايصاحبها الإحباط واليأس في إعادة المحاولة بإنجازها، وقطعا تتولد مبررات وعلل كثيرة، نلقي عليها اللائمة لعلها تمدنا بعذر يقينا اللوم والتقريع، وتنجينا من المحاسبة والعقاب، وقد جرت تسميتها “شماعات” وصرنا نعلق عليها مسببات إخفاقاتنا وكبواتنا، فتكون حصانة لنا من أصابع الاتهام في حال توجيهها صوبنا. من هذه المسببات مفردة (ضغوط)، وفي خطابات الساسة وتصريحات المسؤولين ولاسيما القياديين منهم، تكاد تكون هذه المفردة من أوسع الكلمات انتشارا واستخداما من بين كلماتهم المتداولة والجارية على ألسنتهم. فهم لايألون جهدا في التشكي من ضغوط الحزب الفلاني، اوالكتلة العلانية، وقطعا قبل هذا وذاك الضغوط الدولية والإقليمية. وعلى مايبدو ان الشماعة التي دأبوا على تعليق أخطائهم عليها، باتت مزدحمة بسلبياتهم وإخفاقاتهم، فاستحدثوا شماعة جديدة لتعليق مااستجد منها، ليوهموا بها أنفسهم ويخدعون رعيتهم، فكأنهم قرروا وعزموا ان لايقدموا شيئا يخدم البلاد والعباد، مقابل هذا هم يقدمون أعذارا ومسوغات جاهزة. وقد ظنوا ان اتباعهم هذا السلوك في التملص من إتمام المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، ينجيهم من وضعهم في قفص الاتهام عاجلا ام آجلا، وقطعا هذا ناتج عن أمنهم واطمئنانهم من سوء العاقبة والعقاب، فقد قيل سابقا؛ (من أمن العقاب ساء الأدب). فكأن المماطلة والتسويف في المواعيد والعهود، صار ديدن من يتبوأ مقعدا في منصب حساس، لاسيما مناصب صنع القرار والبت فيه وتشريع مايخدم المواطن والمصلحة العامة. في الوقت الذي كان حريا بمن يتسنم موقعا كهذا، ان يسخِّر طاقاته لاختزال مايمكن اختزاله من الزمن، من أجل اللحاق بالأمم التي سبقتنا بالتحضر زمانا ومكانا ومكانة.
أرى أن الضغوط التي يتشبث بتلابيبها أصحاب القرار ويتحججون بها، كان حريا بهم أن يجعلوها محفزا ودافعا لهم باتجاه الإسراع والإصرار بإنجاز أعمالهم، فالتحدي في مسيرة العمل خير داعم للإرادة، وأٌقوى سند يقي من تعثر الخطوات في سيرها. كما أن الضغوط التي يدعي ساستنا أنها تؤثر على منجزاتهم، ليست موجهة ضدهم وحدهم، فالمواطن أيضا يعاني اكثر مما يعانونه من ضغوط قسرية في حياته، تضيق عليه الخناق، وتضعه في زاوية لايحسد عليها، فلا يجد في نفسه بدا غير أن يثور رافضا واقعه، وهذا مايحدث اليوم بتظاهره وخروجه معلنا نفاد صبره في تحمل ظروف معيشته المريرة، مطالبا بالحلول الناجعة والجذرية والفورية، بعد أن مل الوعود والكلام المعسول، فكأني بالمواطن هب من موقعه يردد ما قاله شاعرنا الرصافي:
هبوا واملأوا صكا للعلا
فإني على موتي به لموقع
نعم، فالضغوط تفضي الى ناتجين؛ إما الانفجار وإما النفاذ الى حلول تفك الضغط الى الأبد، وهناك مقولة كنت قد استشهدت بها في مقال سابق.. أراني اليوم أتعلل بأسبابها ثانية، ولاغرابة إن فعلتها ثالثة ورابعة وعاشرة، تلك المقولة مفادها: “اذا تم كسر بيضة.. بواسطة ضغط خارجي.. فإن حياتها قد انتهت.. أما إذا تم كسر بيضة.. بواسطة ضغط داخلي.. فإن هناك حياة قد بدأت.. فالأشياء العظيمة تبدأ دائما من الداخل..!”
أقول.. لاأظن أن اثنين يختلفان على أن حلولا كثيرة لما وصلنا اليه من ضغوط داخلية وخارجية بأيدي ساستنا، وعليهم فقط تقع مسؤولية انفجار المواطن من الضغط الذي يتعرض اليه.