17 نوفمبر، 2024 12:26 م
Search
Close this search box.

مائة عام ايديولوجيا ..

مائة عام ايديولوجيا ..

يشهد آب _اغسطس المقبل مرور مائة عام على تأسيس الدولة العراقية الحديثة، دونت فيها ثلاثة أطوار سياسية، الدولة الملكية، والدولة الجمهورية، والدولة “الديمقراطية ” التي تأسست بعد الاحتلال الامريكي 2003 ومساعدته .
كانت الظروف السياسية والمعيشية والتكوين الطبقي الاجتماعي يقترح صراعا ايديولوجيا بين الطبقة الحاكمة والقوى السياسية المعارضة (سواء سرية أم علنية )، وكان الصراع يتمظهر حينذاك بصور عنفية وقمعية أحيانا ، لكنه مع العهد الجمهوري 1958 اتخذ الصراع الآيديولوجي طابع الصراع الدموي وإبادة الآخر على نحو أنتقل فيه لطبقات المجتمع الواحد والعائلة الواحدة ، ماجعل مشاعر الكراهية تتجذر سواء بين فرقاء السياسة أوبين المكوناتية التي تؤلف المجتمع العراقي، وهو ما دفع لنمو جائحة الانتقام والبطش يتصرف بها صاحب السلطة،آزاء الآخر المختلف مستظلا بدساتير ترفع شعارات زائفة للحرية والديمقراطية “.
سنوات الحرائق والاعدام والملاحقة والسجون السرية والمقابر الجماعية والفردية، نتاج أنظمة تأخذ بايديولوجيا سياسية أنتجت إنقساما بين الجماهير تحت مسميات اليمين واليسار ، بصورة تقريبية، أو السلطة واعدائها المعارضين لها بعناوين متعددة، والذي يتسع لأكثر من فكرة اليسار كما حدث في عهد صدام حسين، إذ تشكلت القوى المعارضة من مكونات يسارية وقومية واثنيات متنوعة .
بعد الاحتلال 2003 أختفت الصراعات الآيديولوجية لتبرز شعارات طائفية عمدت لها احزاب الاسلام السياسي بهدف ترسيخ وجودها ضمن مكوناتها التي وجدت تأثيرها في دستور دائم ، بينما هي ارهاصات سياسية مؤقتة، ماجعل الدستور عنصر إعاقة وليس دفعا لمشروع المواطنية وتكريس روح المواطنة التي تظلل ابناء الوطن الواحد بالعدالة الاجتماعية وتكافؤ الحقوق .
تجربة السلطة لهذه الاحزاب وطبقتها السياسية المعادية جذريا لمفاهيم الدولة الديمقراطية وقواعدها، والمعتمدة على فكرة (العرقية والطائفية) سرعان ما انتهت الى طبقة سياسية هدفها الهيمنة المطلقة على النفوذ والمال بنهم غير مسبوق، دون قدرتها على ترسيخ منظومة مفاهيم سياسية ايديولوجيا، أو تجذير فكري للعقائد وشعاراتها الطائفية التي رفعت كغطاء وقتي، وتحول العملية السياسية الى لعبة نفوذ وصفقات مشتركة بين أصحاب الأموال من الطفيليات الناشئة عن الفساد الاداري والمالي، وبين العوائل المهيمنة تاريخيا على الساحة الطائفية والقومية بمعنى أولغارشية بعنوان ديمقراطي زائف .
المهم بالأمر وجود ناتج عرضي أجده نافعا جدا ومعجلا في إنتقال العراق نحو طور سياسي جديد ، واقصد تلاشي الصراع الآيديولوجي بين أبناء الشعب العراقي من جهة، ومن جهة أخرى، توحد الغالبية المطلقة للعراقيين بموقف المعارض للسلطة الفاسدة ، وتحديدا السلطة المحاصصاتية (الشيعية السنية الكردية) التي استدرجت ثروات البلد واحالتها لامبراطوريات مالية خاصة بها وبعصاباتها.
لحظة تاريخية مهمة وجديدة غير منظورة حدثت في غضون السنوات الاخيرة وكشفتها أحداث تشرين، أحسبها ستعيد ترتيب الاولويات للجماهير في تغذية ثقافة المواطنة وسلوكيات التضامن الشعبي وتوجيهها نحو الهدف المشترك بإعادة بناء دولة تسودها مبادئ العدالة وقوانين المساواة والحياة الديمقراطية السليمة .

أحدث المقالات