28 ديسمبر، 2024 1:59 م

” ماأوذي نبي مثل ما أوذيت ” دفاعاً عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم – 1

” ماأوذي نبي مثل ما أوذيت ” دفاعاً عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم – 1

ورد عن النبي الأمجد محمد (ص) أنه قال “ما أوذي نبي مثل ما أوذيت” وكذلك قوله “أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل ” وورد عنه (ص) ” يبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه ” .
تعرض النبي الأقدس (ص) في حياته ومماته الى شتى ألوان وأنواع الأذى والعذاب بما لم يتأذى نبي آخر من الأنبياء السابقين – عليهم السلام – مثلما أوذي هو من قومه وأمّته ! .
يحدثنا التأريخ أن بعض الأنبياء (ع) تأذوا جسدياً في حياتهم بصورة أكبر بكثير من الأذى الذي تعرض له النبي (ص) في حياته فهذا نبي الله إبراهيم (ع) يلقى في النار ونبي الله يحيى (ع) ينشر بالمناشير وعُذِبَ نبي الله موسى (ع) على النحو الذي قصه القرآن الكريم، وغيرهم الكثير من الأنبياء، حتى ورد في بعض الأخبار أن بني اسرائيل كانوا يقتلون ويصلبون في اليوم الواحد ألف نبي ..
فما هو المراد من قول النبي (ص) “ما أوذي نبي مثل ما أوذيت”؟ وهل فعلاً أُوذي الأنبياء السابقين (ع) من الناس أكثر من الأذيّة التي تعرض لها شخص النبي؟ .
 
نبذه عما تعرض له النبي (ص)في حياته:
واجه النبي (ص) عقبات كثيرة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية ومُورِسَت تجاه شخصه الشريف مجموعة من الضغوطات الاعلامية والمعنوية، وقُدِّمت له العديد من المغريات المادية والمنصبية وغيرها، من أجل ان يترك قضيته الرسالية ويتخلى عن مبادئه الأنسانية والتي قد يتعرض إليها الكثير من الناس من ذوي الأهداف والمطامح الشخصية ويتنازلوا عن مبادئهم ..
ونوجز ما تعرض له النبي (ص) في الآتي:
 
إيذاء شخص النبي (ص)
لقد أوذي النبي (ص) من الناحية الشخصية، إيذاءً لا يتحمله في العادة حتى أصحاب الأهداف، ولا يمكنهم الصبر عليه، فالكلمات والضغوط الهيِّنة تؤثر في الناس فكيف بالإيذاء الكبير الذي أوذي به النبي (ص)، فلأنسان العادي يجد نفسه يتألم من كلمةٍ بسيطة قد لا تكون جارحة، قد تهزُّه وتجعله يتراجع عن أهدافه .. إلا أنّ النبي (ص) واجه بصبرٍ كبيرٍ الكلمات الجارحة والمقذعة والأفعال المشينة كإلقاء ووضع الدماء والروث عليه وهو ساجد كما فعلها العاص ابن وائل مع النبي، ولا إضرارة الى ان يهاجر من مدينته والسكون في ارض غربة ولا محاربته ومقارعته ولا اتهام زوجته ولا محاولات قتله في حياته، أو وضع الأوساخ والقاذورات في طريقه، وفي بعض الأحايين يُؤذى بالضرب، وهذا مالا تتحمله حتى الشخصيات والواجهات الاجتماعية مهما كانت درجة تخلقهم وتواضعهم، وربما تؤدي بهم هذه الضغوطات والمواجهات إلى التراجع عن أهدافهم وقضاياهم .
 
أمثلة من أذيَّة قريش للنبي (ص):
 1 – قالوا عنه (ص) أنه عميل لدوله أجنبيه لرجلاً يدعى الرحمن باليمامه يعمل لحسابه لأنه دعاهم لعبادة الله (الرحمن) ” وإنا لانؤمن بالرحمن أبدا ” كما ذكر القرأن كنوع من التشويش .
2 – أرسلوا القوم إلى بلاد الفرس واليمن النضر بن الحارث ليتعلم كل قصص ملوكهم المشوقه ويسردها عندما يتلو النبي (ص) القرأن حتى لا يتمكن النبي من تكملة تلاوته .
3 – كان النبي (ص) حينما يمر بأي طريق من طرقات مكه يعدو الكفار مع اطفالهم ونسائهم من حوله ويقولوا عليه أنه مجنون .. وعندما كانت تأتي قافله الحج والتجاره تُحذر قريش أهلها ويقولوا لهم “إحذروا غلام قريش لا يفتنكم بجنونه” .
4 – كانت أم جميل زوجة عمه أبو لهب تلقى أمام بيته القاذورات والشوك فينظر نبي الهدى والرحمة (ص) لهذا العبث ويقول المهتدى “يامعشر قريش أي جوار ٍ هذا ” .
5 – عندما نزل قول الله سبحانه فى إمرأة أبو لهب ” .. وإمرأته حمالة الحطب .. ” بحثت عن النبي (ص) وإتهمته بأنه قد هجاها بهذا الشعر ! فقامت بهجائة بشعر محتواه: ” مذمما عصينا، وأمره أبينا، ودينه قلينا ” .
6 – عندما كان النبي (ص) يقوم بدعوت الناس للإسلام كان من عمه أبو لهب يسير خلفة كظله ويقول للناس عندما يحدثهم النبي (ص) دعكم منه إنه مجنون فكانوا يصدقون عمه ويقولون له كيف نصدقك وعمك من أهلك الأعلم بك يقول عنك مجنون .
7 – أطلقوا على النبي (ص) تسمية ” مذمماً ” بدل من إسم ” محمداً ” فإستشاط صحابته وأرادوا الفتك بالكافرين فهدأهم (ص) وإمتص غضبهم وقال لهم ” ألا تعجبون كيف يصرف الله عنى شتم قريش ولعنهم ؟ ” يشتمون مذمماً ويلعنون مذمماً وأنا ” محمداً ” .
8 – قامت قريش بالضحك والنكات بصوت عالي على النبي (ص) وهو يطوف حول بيت الله الحرام ولكن عندما إرتفع صوتهم إلى فوق المحتمل توقف (ص) وذهب إليهم وقال لهم بصوت كالرعد ” تعرفون يا معشر قريش لو لم تنتهوا لقد جئتكم بالذبح ” فقالوا له إمض بسلام يا أبا القاسم ما عرفناك إلا حليما .
 
أسلوب التحبيط والإغراء
الإغراء والتحبيط مؤثران سلباً، فهما يجعلان الإنسان يبتعد عن تحقيق أهدافه أو يعيد النظر في حساباته، ويتراجع عن الغاية التي ينشدها، فالكلمات المحبطة التي تُقلل من شأن الأهداف الكبيرة وتُقلص من حجمها وأهميتها التي يطمح إليها الإنسان تُحدِثُ أثراً سيئاً في نفس السامع، بيد أنّ النبي (ص) لم يتأثر بكل هذا وحقق أهدافه النبيلة بالرغم من كل ما قيل له وسمِعَهُ من تثبيطٍ ومحاولات لعلها تهزه او تزعزع من عزيمته، وعُرِضَت عليه الإغراءات، فقد قيل له : نعطيك أجمل نساء العرب ونمنحك من الأموال ما تريد، ونحقق لك ما تطمح إليه من الناحية الاقتصادية، بل عرضوا عليه وأغروه بأكثر من ذلك، ان يصير ملكًا عليهم وعلى الجزيرة العربية، لكنه (ص) لم يتزعزع عن موقفه الأنساني وعن التمسك بأهدافه الرسالية ولم يتأثر بهذه الإغراءات، بل ازداد صبراً وعزيمة وثباتاً وبصيرةً، وسار بالرغم من كل ذلك على النهج الذي خطته له السماء، وكان يجابه الإغراء والإيذاء بصمود وصبرٍ شديدين إلى أن تحقق له ما أراد ونشر دعوة الأسلام الحنيف .
 
مواجهة الإيذاء بين النبي (ص)والأنبياء
أختزل النبي (ص) هذه المعادلة التي ذكرناها من عذاب وألم وأذى وأذابها بأنماطٍ عديدة من الصبر والتسامح وواجهها بالأخلاق الرفيعة وأبان مقدار صبره واستقامته بقوله: ” ما أُوذي نبي بمثل ما أوذيت “، فالنبي إبراهيم (ع) تعرض للعذاب فأُُلقي في النار، وعُذِبَ نبي الله موسى (ع) على النحو الذي قصه القرآن الكريم، ونبي الله عيسى (ع) أبانت طائفة من الروايات ما أُوذي به، بيد أنّ النبي (ص) بقوله: ما أُوذي نبي بمثل ما أوذيت، أوضح أنّ جميع الأنبياء والرسل – عليهم السلام – لم يحتملوا ما تحمله (ص)، وذلك لثباته واستقامته وصبره وعزيمته وأخلاقه وفضيلته ورسوخه على المبدأ والموقف، ولم يشكو لربه الضرر الذي أصابه والألم والعذاب الذي تعرّض له من أُمّته، فهذا نبي الله أيوب – عليه السلام يشكو لله سبحانه مما أصابه من البلاء ” وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ” وكذلك نبي الله يونس (ع) ” لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ” وغيرهم من الأنبياء – عليهم السلام – الذين شكوا للباري تعالى الضّر الذي تعرضوا له وظلم قومهم لهم،إلا النبي (ص) بالرغم من أذيَّة القوم له إلّا أنه كان يدعو لهم بالعفو والرحمة والمغفرة إلى أن أوصل لنا رسالة الأسلام الحنيف وثبَّتها بيضاء نقية تتفيئ بظلها الأمة وتجني الخيرات من ثمارها .
 
نتائج ثبات النبي (ص)
لو لم يكن النبي (ص) بذلك الثبات وذلك الموقف وتلك الاستقامة وبهذه القوة والتحمل والصبر على الناس والألم والأذى لكان الإسلام أثراً بعد عين، ولكان قصة من القصص التي يقصها ويرويها لنا التأريخ الإنساني ليس إلا، لكنه (ص) بصبره وجهاده وباستقامته وأخلاقه وعلمه ودرايته وثباته على المبدأ رسَّخ معالم الدين ومفاهيمه وزرعها في نفوس أمته، ولم يكن همه الاستقامة لبعض أفراد الأمة فحسب، بل أراد الاستقامة لكل المجتمع ولكل الأمة الأسلامية بكل افرادها .
  
مع هذا كله:
هل كان يقصد النبي (ص) الأذى الجسدي الذي تعرض له بداية دعوته مثل السباب والشتائم والحصار الأقتصادي لسنوات والضرب بالحجارة ونزف دمه الشريف من قبل قومه وكسر ترقوته والجروح التي أُصيب بها في الحروب التي خاضها والكذب والزور والبهتان والتهم والأفتراءات التي مارسها القوم بحقه .. أم أن هناك أبعاد ومديات تأريخية أخرى لازالت مستمرة أكثر أيلاماً وأذيّة مفجعة للنبي؟
هذا ما سنحاول التعرض له والأجابه عنه في الأجزاء الأخرى لهذا المقال .