ان التاريخ يعيد نفسه في قضايا عديدة ومنها الصراع على صولجان الحكم .. لم تختلف الاغراض والاسباب ، لكن اختلفت الطرق والاساليب، لذلك نكتب هنا لامتداد الجذور التي تمد بيئة القتل والصراع على السلطة التي يعيشها الحركات التكفيرية الملتحفة بالاسلام كما تمد وعاظ ودعاة القتل بغطاء شرعي يمنحهم التبرير المزيف للقتل والطغيان السلطوي .. فلقد تورط الخلفاء الثلاثة بعمليات قتل في صراعهم على كرسي الحكم ، لكن التاريخ غلف بالكثير من الاكاذيب وخاصة في مرحلة التدوين التي قادها الامويون للتدليس والتزوير على كل المستويات ومنها كتابة التاريخ وجمع وتدوين الحديث النبوي .. وسنتناول اولى عمليات الانتقام والقتل التي مورست بعد رحيل الرسول الكريم والتي قادها مايسمون صحابته .. ويبقى السؤال المطروح : اذا كان النموذج الرسالي قد مارس الاغتيال والقتل من اجل الصولجان ، فلماذا نلوم الحاضر المسكون بالاغتيال لذات الصولجان ؟ ..
1 ـ ومن اولى عمليات الاغتيال والقتل العمد هي التي قادها خالد بن الوليد ضد مالك بن نويرة. فبعد رحيل الرسول الى ربه حدث صراع على الحكم في سقيفة بني ساعدة وقاد بالسيف لابالشورى (كما يدعون)الى السيطرة واخضاع الرقاب الى سلطة المتجبرين، وسلم الامر بالقوة الى ابي بكر حيث اجبر المسلمين على البيعة بحد السيف . لكن هذا الامر قد خلق صراع على مستويين الاول تمثل بارتداد القبائل عن الاسلام وعودتها الى عبادة الاصنام ودين آلهة قبائل الجزيرة السابقة ، ونعني اللات والعزة وهبل . اما المستوى الثاني فهو رفض بعض القبائل المسلمة دفع الزكاة الى من نصب بالقوة ويعنون لديهم ابو بكر ومن حالفه في التنصيب، ورفضهم اعطاء البيعة الى ابي بكر . لكنهم لم يخرجوا عن الدين الاسلامي ورسالة نبيه ومنها الصلاة والصوم والحج.. اي ان الخلاف كان يتضمن عدم قبول البيعة ويصاحبه غياب المحصل الشرعي للزكاة . لكن ابو بكر ومن تحالف معه ودعم امساكه بصولجان الحكم قد قاد حربا ضد من سماهم المرتدين، وسميت تلك الحروب بحروب الردة.. والشكوك حول شرعية تلك الحروب تدور حول ان بعض تلك القبائل لم يرتد عن تعاليم الاسلام ، وانما رفض بيعة ابي بكر ورفض دفع الزكاة.. فلماذا تقاد ضدهم حرب ابادة وقتل ؟ وبرقبة من تلك الدماء المسلمة التي سفكت؟ .. ومن بين الشخصيات المسلمة التي قتلت في تلك الحرب هي شخصية مالك بن نويرة التميمي.. فهل كان مالك بن نويرة مرتدا حين رفض بيعة ابي بكر ورفض دفع الزكاة بالقوة اليه؟ واين قتل هذا المسلم الصحابي ؟ لقد قتل في محراب الصلاة.. ومن قتله؟ لقد قتله من يسمونه زورا سيف الله المسلول وهو خالد بن الوليد؟ لقد قتله وهو يصلي ، كما قام بالزواج من زوجته وفي ذات يوم وليلة مقتل زوجها ، على اعتبار انها من الغنائم .. هل يمكن اعتبار المسلمة وزوجة المسلم القتيل من الغنائم ؟ وماهو النص القرآني الذي يبيح قتل المسلم واعتبار زوجته غنيمة حرب مما يبيح الزواج منها ؟ لقد خالف (من سموه سيف الله ) كل تعاليم الاسلام ، اولا بقتله المسلم الصحابي المصلي ، وثانيا اعتبار زوجته غنيمة ، وثالثا الزواج منها ورابعا تجاوزه على حدود الله حيث ان المرأة التي يتوفى زوجها لايجوز الزواج منها الا بعد عدة 3 شهور.. فكيف سمي القاتل والخارج عن حدود الله بسيف الله المسلول؟.. ولعل دم الصحابي مالك بن نويرة برقبة ابي بكر الذي حشد الجيوش ضده لرفضه البيعة ودفع الزكاة، ولأنه لم يعاقب ولم يحاكم خالد بن الوليد على فعلته الشنيعة وخروجه عن حدود الله .. مااشبه اليوم بالبارحة..فكم مسلم قتل من قبل التكفيريين ؟ وكم مسلم قتل من قبل خوارج العصر الحديث حكاما وحركات؟ وقد وردت واقعة مقتل الصحابي مالك بن نويرة لدى ابن كثير وابن حجر والطبري وآخرين ، وقد اباح ابن تيمية قتله مثلما يتبعه الآن خوارج العصر .
2 ـ اما الواقعة الثانية فهي واقعة اغتيال اخرى بسبب الصراع على صولجان الحكم .. لقد رفض شيخ الخزرج سعيد بن عبادة اعطاء البيعة الى ابي بكر كونه يعتقد انهم الانصار الاولى بالحكم، لانهم قد وفروا المآوى والامان للمهاجرين وعلى رأسهم الرسول الكريم ، كما انهم نصروا الرسول (ص) ودعوته ..لقد حدثت مشادة وتهديد بين سعيد بن عبادة وعمر بن الخطاب في سقيفة بني ساعدة وكان سعيد بن عبادة طريحا ممددا بين الحشد ولايقوى على الجلوس لمرضه.. وحين استتب الأمر الى ابي بكر بحد السيف وبالاكراه قرر الهجرة الى الشام.. لكن عمر بن الخطاب لم ينس تلك الحادثة ، وحين مسك بصولجان الحكم قرر الانتقام من الصحابي سعيد بن عبادة وارسل الى الشام من يغتاله بسهم مسموم لدى خروجه في ليلة ظلماء لقضاء حاجته ، وادعوا بأن الجن قتلته بسهم !!.. وهكذا يكون دم الصحابي سعيد بن عبادة برقبة عمر بن الخطاب وسيحاسب امام الله على دمه المهدور لكونه شرع القتل ، كما شرع اغتيال الرافضين للبيعة والتي مورست لاحقا خلال ملك معاوية العضوض ومن لحقه من حكام الامويين والعباسيين..لقد شرع عمر بن الخطاب شريعة الاغتيال للمعارضين فلماذا نلوم الحاضر المسكون بالاغتيال للمعارضين .
3 ـ وتأتي الواقعة الثالثة في عهد عثمان الذي منح اقاربه امتيازات الحكم والثراء والتجاوز على حقوق المسلمين والسيطرة على مدخرات الدولة بتعيينهم ولاة اتخموا بالثراء وبناء القصور وكنز الذهب والفضة . وقد حدثت الكثير من المظالم من قبل ولاته المنصبين على الامصار مما استدعى الشكوى ومنها قدوم وفد من مصر وبرئاسة محمد بن ابي بكر الى المدينة للشكوى من ظلم والي مصر.. وقد كتب لهم كتاب ووعدهم بتغيير الوالي.. لكنهم فتحوا كتاب الخليفة ليجدوا فيه امرا الى الوالي بقتلهم حين يستلم الكتاب ، مما اثارهم ودفعهم الى العودة والثورة على عثمان بن عفان والمطالبة بازاحته لغدره بهم بدلا عن رد المظالم.. وكان هذا الغدر هو الفتيل الذي اشعل التمرد عليه وادى الى قتله لاحقا بسهم .. وتشير مصادر الرواة الى مروان بن الحكم هو الذي قتل عثمان بن عفان من اجل خلق البلبلة ومحاولة السيطرة على الحكم.. كما قام عثمان بن عفان بطرد الصحابي ابو ذر الغفاري الذي كان يصرخ بوجه ثراء الحكام والولاة حتى مات منفيا في الصحراء .. تلك الدماء التي هدرت وتلك الممارسات التي حدثت لها مايشبهها في عصرنا الحاضر .. وبذلك تكون سنة القتل من اجل السلطة والجاه والمال التي سنها الخلفاء الثلاث هي الغطاء الشرعي للكثير من ممارسات القتل المعاصر ومنها ممارسات حركات التكفير وحكام التكفير وسلطة التكفير والمصحوبة بفتاوي التكفير من وعاظ السلاطين الذي دينهم دنانيرهم .. انه جزء من المسكوت عنه والذي يغذي دموية الحاضر الاسلامي . ومااشبه اليوم بالبارحة ..
[email protected]