22 ديسمبر، 2024 9:15 م

ماء نهري ( دجلة – الفرات ) لا يصلح حتى للوضوء !

ماء نهري ( دجلة – الفرات ) لا يصلح حتى للوضوء !

أن المواطن ( العراقي ) اليوم يطالب بأن يعاد النظر في إعادة وصياغة وكتابة ( الدستور العراقي ) من جديد و سيصوت عليه .. وهي قضية شرعية تشير إلى الوعي العام للمواطن في بلد الرشيد بعد خروج .. وطرد براثن ( الاحتلال الأمريكي ) من جميع مناطق بلدي العراق وكذلك استيعابه تجربة السنوات ( 15 ) الماضية حيث دخل البرلمانات عدد كبير من الساسة عن طريق قوات الاحتلال الغاشم وهم لا يجيدون السباحة في نهر السياسة العراقية دون خبرة ولا ماضي يؤهلهم لذلك سوى ارتباطهم بالأحزاب التي احتاجت أن تملئ حصتها الانتخابية والتي جاءت أيضا دون تمثيل حقيقي لإرادة المواطن العراقي .. من الرجال والنساء لاستخدامها سلاح المرجعيات وأحزاب الإسلام السياسي أو التعصب القومي بالنسبة لهذه للأحزاب عاش العراقيون في الوسط والجنوب والشمال عقود ينتظر بزوغ فجر عراق ديمقراطي حقيقي امن يعيش فيه مواطنيه دون تميز بغض النظر عن الاختلاف في القومية والدين والطائفة والمنطقة والمذهب لكن جاءت الانتخابات العراقية في تحالفاتها ( الطائفية – المذهبية – القومية ) وعبر القوائم المغلقة الأولى والمفتوحة الثانية أن تقدم نواب لم يخدموا العراق ومستقبله و كان قرار أكثريتهم كتابة وتدوين ( الدستور العراقي ) الجديد على عجالة بأفكار أمريكية تخدم مصالح الأعداء والثانية غيبت الإرادة ألحقه للعراقيين ودفعت بعناصر غير قادرة على الالتزام بواجباتها في خدمة الوطن والمواطن لهزالها وعدم كفاءتها المهنية والسياسية هذا بالإضافة إلى حرمان أبناء العراق الغيارى في اتخاذ هذا القرار المهم , ومنذ أن بدأت حركة التدوين الدستوري في نهاية القرن الثامن عشر إثر بروز فكرة الدولة بالمفهوم الحديث للمجتمع المنظم سياسياً ، ثار تساؤل علي صعيد الفقه الدستوري مفاده أيهما أسبق في الوجود النظام السياسي أم النظام القانوني ؟ وقد ترتب على ذلك التساؤل البحث عن أفضل السبل وأنجعها في كتابة الدساتير حتى قيل أن الدستور يجب أن يكتب من قبل النخبة أو الصفوة أو حكماء القوم الأفذاذ الذين تتوافر فيهم صفات عديدة منها الموضوعية والكفاءة والقدرة علي التحليل والتنظير واستشراف المستقبل وتحديد اتجاه سير المجتمع لسنين قادمة في ضوء المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع .. إن مثل أولئك الأشخاص ينتخبون أو يختارون ويشكلون السلطة التأسيسية التي تولت أعداد وكتابة الدستور .. وهذه اللجنة حالما انتهى عملها دون أن لا يكون لأي من أعضائها حق التقديم أو الترشيح لمناصب سياسية في ما بعد أن السلطة التأسيسية بالوصف المتقدم هي أعلى وأسمى سلطة يتشاور أعضاؤها فيما بينهم للاتفاق على بنود الدستور دون أن يكون هناك أي تأثير أو محاباة أو تدخل لحزب أو فئة أو طائفة أو أي تنظيم علي حساب الآخر .. وإذا كان الدستور وليد السلطة التأسيسية في يومنا هذا ، فإن السلطات المؤسسة هي وليدة الدستور ومنبثقة عنه ومنه تستمد وجودها وشرعيتها ، إذ أن الدستور يحدد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ويحدد اختصاص كل منها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات .. وهذا يعني أن السلطة التأسيسية التي تضع دستور البلاد هي أعلى مقاماً وأسمي منزلة من السلطة المؤسسة ( السلطة التشريعية )

لان الأخيرة وليدة عمل الأولي ولا تملك الأخيرة أن تخرج علي الإطار الذي حددته الأولى وإلا ثارت عليها الرقابة على دستورية القوانين , ولو أرجعنا النظر إلى دستور العراق الذي كلفت الجمعية الوطنية بكتابته بموجب المادة ( 60 ) من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية ، والذي ثارت بشأنه عشية وضعه جملة من التساؤلات في ما إذا كان يعد دستوراً للبلاد أم انه قانون يمهد لإصدار قانون دائم وبرغم المساجلات الفكرية حوله ، فإن الرأي الراجح يعده دستوراً لأنه نظم آلية تكوين السلطة وانتقالها وحدد شكل الدولة وطبيعة نظام الحكم وأكد على العديد من الحقوق والحريات العامة .. وقد اقتبس الدستور الجديد العديد من مواده من قانون إدارة الدولة ، بل أن هذا الدستور لم يخرج علي روح ذلك القانون – لوجدنا أن الجمعية الوطنية ( السلطة التشريعية ) هي سلطة مؤسسة لا يمكن أن تأخذ دور السلطة التأسيسية علي النحو السابق بيانه وتقوم بكتابة دستور العراق برغم نص المادة ( 60 ) كما أن الجمعية الوطنية تمثل الأحزاب والكتل السياسية والكيانات التي ستدخل العمليات الانتخابية تمثل الشعب العراقي بكل أطيافه بعد ظهور الطائفية السياسية وبروز عناصر الوحدة الطائفية المقيتة باجتثاث عدد كبير من السياسيين العراقيين فضلاً عن أن أعضاءها لا يتحدثون باسم العراق بقدر ما يمثلون الأحزاب التي أوصلتهم إلى الجمعية على خلاف الأصل القانوني في وظيفة النائب البرلماني الذي يمثل كل الشعب وان ينسلخ من انتماءاته الحزبية أو المذهبية أو القومية وان يكون للعراق لا للحزب الذي جاء به .. إن هذا النهج لا يمهد لتأسيس دولة قانونية ويجعلنا نقف أمام دستور سياسي لا دستور قانوني .. أن اختلف رجال الفقه في تعريف الوثيقة الدستورية باختلاف الزاوية التي ينظر منها رجل السياسة عن رجل القانون وإذا كان القانون يعرف الدستور بأن مجموعة من القواعد القانونية التي تحدد شكل الدولة ( في ما إذا كانت بسيطة موحدة أو مركبة فدرالية ) وطبيعة نظام الحكم ( ملكياً كان أم جمهورياً ، برلمانياً أم رئاسياً ) ويحدد السلطات العامة برسم العلاقة فيها فضلاً عن الأسس الفلسفية والاقتصادية والاجتماعية التي يقوم عليها المجتمع ، فإن رجل السياسة يعرف الدستور علي حد تعبير الفقيه الفرنسي ( موريس فروجيه ) بأنه ( قانون أولئك الذين وضعوه ) في إشارة إلى الأحزاب والكتل السياسية التي بصمت أفكارها وفلسفتها ورويتها وخياراتها في تضاعيف الدستور، ومثل هذا الدستور لن يحقق بناء دولة المؤسسات الدستورية التي لا تتأثر بتغيير الأحزاب السياسية أو تغيير شخص الحاكم وإنما يمهد لولادة دكتاتوريات الشخص الحاكم أو لديكتاتورية الأقلية وهذا ما حدث ويحدث في بلدي العراق .. وقد أثبتت التجارب فشل الدساتير وانهيار المجتمعات والدول التي قامت علي مثل تلك الأيدولوجيات السياسية , إذ أن تلكم الدساتير تفصح عن رؤى ونيات وتطلعات واضعيه أكثر مما تفصح عن تطلعات الشعب وأمانيه حتى إذا ما تعرضت الدولة لهزة سياسية سقط الحزب الحاكم ومؤسساته وأنفل الدستور وانفرط عقده وانهار الأمن والاستقرار وشاعت الفوضى والاضطرابات ، ولعل ما حصل بعد سقوط النظام السياسي العراقي ودستور ( 16) تموز ( 1970 ) على يد الاحتلال الغاشم بعد

9/ 4/ 2003 ما يكشف عن مخاطر الدستور السياسي , ومثل ذاك ما نخشى تكراره مجدداً في دستور العراق حتى ولو كتب له النجاح لأنه يمثل خيارات وأمنيات ونيات الزعامات السياسية الجديدة لا خيارات وأمنيات وطموح الشعب العراقي , وقد تجلت نيات الأحزاب السياسية ورغباتها في الدستور في أكثر من موطن بدءاً من الديباجة وما تحمله من نزعة طائفية مروراً بالمبادئ الأساسية ولاسيما في ما ورد في المواد

( 3، 7 ، 10 ، 13) والحقوق والحريات العامة وما جاء بالمواد (18 أولا ورابعاً ، 29) وآلية توزيع السلطات والاختصاصات بين السلطات الاتحادية والسلطات المناظرة لها في الأقاليم والمحافظات التي لم تنتظم في إقليم المادة (118 ثالثاً ورابعاً وخامساً). وانتهاءً بالإحكام الختامية والإحكام الانتقالية ولاسيما المواد (124، 131، 132، 135، ثالثاً / ج ، د ، 136, خلاصة القول أن ذلك الدستور الجديد للعراق أن لم تتم معالجة نقاط الاختلاف فيه التي تمهد لتقسيم العراق وتجزئته أرضاً وشعباً وهوية ، فإننا كما اعتقد سنكون أمام دستور سياسي كتبته أيدي الأحزاب السياسية التي جاءت مع الاحتلال ولن يحقق ذلك الدستور الأمن والاستقرار آو يقضي على الاضطرابات السياسية وهذا ما لا نريده للعراق وإنما نريد دستوراً قانونياً يعبر عن خيارات الجميع ويمهد لولادة قانونية تقوم على أساس وجود منظومة قانونية لا تتوقف على الشخص أو الحزب الحاكم ولا تعتمد على الأشخاص القادة بقدر ما تعتمد على البرامج الناجحة لإدارة البلاد بما يرضي الله والعباد.