تجاوز عمر حكومة الدكتور حيدر العبادي 100 يوم وسط تحديات ضخمة تعترض طريقها ومرحلة حرجة يمر بها العراق والمنطقة بأسرها ، ان من الظلم والاجحاف وضع تقييم نهائي للاداء الحكومي خلال هذه المدة القصيرة لكنها قد تكون كافية لفهم طبيعة المسار الذي تسلكه الحكومة في معالجة أزمات البلاد وهو القائم على مبدأ في التأني السلامة وفي العجلة الندامة.
لم تكن الظروف التي تم فيها تكليف الدكتور العبادي بتشكيل الحكومة ومن ثم انبثاقها طبيعية أو مألوفة حيث يحتل تنظيم داعش الارهابي ثلث الأراضي العراقية بعد انهيار قوات الجيش العراقي أمامه ناهيك عن خزينة فارغة ودولة مفلسة نتيجة عمليات الفساد التي كانت ولاتزال السمة الرئيسية للعراق الجديد وهي ظروف كفيلة بافشال أي حكومة في العالم قبل ولادتها أصلا ، وهنا يلاحظ حجم التحديات الهائلة التي تقف في وجه رئيس الوزراء ومساعيه في تصفية التركة المالكية الثقيلة التي أوصلت العراق الى نقطة اللاعودة والتي ترجمها من خلال البدأ بحملة الاصلاحات في المؤسستين العسكرية والأمنية وتعهد باكمالها بكافة مرافق الدولة حتى لو أدى الأمر الى اغتياله !!! وهو اعتراف ضمني بوجود من يحاول أن يعرقل عجلة الاصلاح من داخل العملية السياسية تحديدا ، كماشهدت أيام العبادي المائة الأولى تحسن الوضع الأمني في العاصمة بغداد نوعا ما بعد السيطرة الحكومية التامة على مناطق حزام بغداد و التقدم الكبير للقوات العراقية المدعومة بقوات الحشد الشعبي والعشائر والبيشمركة في مختلف جبهات القتال ضد التنظيم المتطرف نتيجة لدعم طيران التحالف الدولي والذي ماكان العراق ليحصل عليه لو بقي المالكي رئيسا لوزراء العراق لولاية ثالثة وشهدت علاقات العراق العربية والأقليمية عودة الدفء بعد سنوات من الجفاء خصوصا مع الدول المؤثرة في المشهد العراقي ، لا خلاف على ان هذه الخطوات تعتبر بمثابة انجازات تم تحقيقها من قبل حكومة العبادي وبفترة قياسية لكن البطئ ظل هو الطابع العام لحركة الاصلاح السياسي والأقتصادي وعلة ذلك هو ثقل المسئولية الملقاة على عاتق الرجل فهو مطالب فعلا بالبدء بحل مشكلات معقدة نشأت نتيجة سياسات خاطئة تم تطبيقها منذ بداية الغزو الامريكي للعراق عام 2003 وهي مسئولية قد لايقوى عليها دون دعم شعبي ونخبوي حقيقي في ظل حالة
الاحتقان الطائفي التي يشهدها المجتمع و تحول مؤسسات الدولة بمرور السنوات الى مافيات عائلية وحزبية ونشوء مراكز قوى تتغذى على عوامل الفساد والارهاب والطائفية يحتاج اجتثاثها وتصفيتها لسنوات عمل مضنية وهذا مايفسر اقتصار الاصلاحات على العزل والاحالة للتقاعد دون الاشارة الى المحاسبة والمسائلة أمام المحاكم العراقية عن ما تم اقترافه من جرائم بحق الوطن والمواطنين ، وفي خضم هذه التحديات الخطيرة تبدو المواجهة الحتمية مع الارهاب للوصول الى حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي مع العمل على تجفيف منابعه ووقف الدعم الخارجي له أولوية تاريخية والأهم من ذلك كله معالجة الظروف والأسباب التي أدت لنشوئه وحصوله على الدعم الشعبي في بعض المحافظات !!! وهو مايقتضي تفكيك وابطال مفعول قنبلة الطائفية التي كانت سببا رئيسيا في مانشهده من مأسي مع مايتطلبه ذلك من تغيير لطبيعة النظام السياسي بمايؤسس لدولة مواطنة لا مكونات كما هو الحال اليوم وهو أمر لا قدرة للعبادي عليه مطلقا وسيكون كمن أطلق النار على نفسه ان حاول الأقتراب من هذه الخطوط الحمراء وان كانت مجرد محاولته ستدخله التاريخ العراقي من أوسع أبوابه رغم سوء العاقبة ، لكن الأمر كما لمحنا سلفا معقد ومستحيل لوجود اتفاق اقليمي ودولي على بقاء العملية السياسية بصورتها الحالية لاطول فترة ممكنة ستؤدي حتما في نهاية المطاف الى تقسيم العراق فعليا وهي حقائق أنستنا اياها فرحتنا الهستيرية بتنحية المالكي نتيجة صفقة امريكية ايرانية فأزداد سقف المطالب لدى البعض وكأن ثورة قد قامت وستنتج واقع جديد ومختلف كليا .
لطالما كان الاعتدال سمة غير مرغوب بها في السياسة العراقية ان لم تكن تعتبر نقطة ضعف السياسي في بلد لازال شعبه يعتبر التهور والحماقة والاستبداد من قبيل البطولة والرجولة دون أن يقر بانها ذاتها من تسببت بحصول الوضع المنهار الذي يشكو منه ويرزح تحت نيره ، ولما كان الدكتور العبادي من الشخصيات المعتدلة التي لاتميل للغة العنف والتعنت والعنترية وجب عليه أن يكون حذرا جدا بخطواته وأن يظل ممسكا للعصا من النصف في علاقاته بين واشنطن وطهران اللاعبان الأكبر في الساحة العراقية شئنا أم أبينا على الأقل في المرحلة الراهنة بخلاف ذلك سيجد نفسه محاصرا بين مطرقة المتشددين الشيعة (وهم الأخطر عليه) والراغبين بمحاكاة النظام السابق في احكام قبضتهم الحديدية على شئون البلاد دون ان يكون لهم من القوة العسكرية التي كان يمتلكها مايؤهلهم للعب هذه الدور على أرض الواقع و سندان المتطرفين السنة المعارضين للعملية السياسية التي يهيمن عليها الشيعة وهو مايعني فشله في مهمته التي يمكن تلخيصها بانها أشبه بمحاولة (احياء رجل ميت) فهل لازال للمعجزات وجود في عالمنا اليوم ؟ هذا ماسيجيبه الدكتور العبادي وحكومته ، لاننا بحاجة فعلية لتحقيق معجزة تنقذ هذا البلد وأولى خطوات تحقيقها هو تقديم الانتماء الوطني على الانتمائين المذهبي والحزبي واعادة اعتماد معايير الكفاءة والخبرة وهو مايدركه الدكتور العبادي جيدا ولكن…