19 ديسمبر، 2024 6:01 ص

مؤشرات ومخاطر تدهور علاقات العراق مع محيطه العربي والإقليمي

مؤشرات ومخاطر تدهور علاقات العراق مع محيطه العربي والإقليمي

شهدت العلاقات العراقية مع المحيط العربي والإقليمي منذ فترة ليست بالقصيرة ، جملة توترات وتصعيدا خطيرا في لهجة العداء ، وصلت أحيانا حد القطيعة مع تلك الدول، دونما مبرر معقول ، يرى فيها خبراء السياسة والمراقبين بمختلف انتماءاتهم ان تلك السياسات والممارسات ستنجم عنها عواقب بالغة الخطورة على وحدة العراق وتعرض سيادته ومستقبله لمخاطر لاتحمد عقباها ، يمكن إدراجها كالآتي:
1.    لقد كانت لغة الشد الطائفي والتحريض المذهبي هي التي حكمت اطار هذه العلاقة، وأدت الى تدهور كبير في علاقات العراق مع محيطه العربي والإقليمي ، إمتد منذ عام 2003 وحتى الان، وقد وصلت مديات هذا التدهور في بعض الاحيان حد القطيعة، كان التوجه الطائفي للدولة العراقية خلال فترة الاحتلال الامريكي يأخذ مسارات طائفية، وتعاظم هذا المد وهذا الغليان الطائفي والمذهبي بعد رحيل الاميركان عام 2010 ، وكانت اللغة الوحيدة التي أتقنتها الحكومات العراقية منذ عام 2003 وحتى الان هو لغة التصعيد في الخطاب الطائفي، ضد الطوائف والمكونات العراقية والدول الأخرى، وانتهى معالم تشكيل دولة بالمعنى المتعارف عليه، وتدهورت علاقات العراق العربية ومع محيطه الإقليمي وحتى الدولي، بسبب متناقضات السياسة الطائفية المتخبطة التي لم يحصد منها العراقيون سوى الويلات والنكبات والانتكاسات واحتلالات غاشمة لأرضه وانتهاكات خطيرة لسيادته ، لأن القائمين على رأس هذه الدولة لايحترمون عهدا ولا ميثاقا وتسببوا بكل هذا الخلل الكبير والتدهور الخطير الذي أصاب بنية الدولة العراقية في الصميم، بل وانهى معالم تلك الدولة وتحولت الى كيانات منقسمة على نفسها، واختفت لغة الخطاب السياسي والإعلامي الموحد ، لإختفاء معالم الدولة وضياع هيبتها، بسبب هيمنة الجماعات المسلحة على مقدراتها وبخاصة تلك التي لديها إرتباطات بأجهزة الدولة وبدول إقليمية ومجاورة .
2.    لم تحترم الدولة العراقية ضيوفها ومن يقومون بمهام دبلوماسية من دول الجوار وبخاصة العربية منها، بل وحتى الاسلامية، وكثيرا ماتعرضت سفارات تلك الدولة في بدايات عام 2004 و2005 الى عمليات اختطاف من قبل جماعات مسلحة تحت علم الدولة وبعلم أجهزتها، ونشير هنا الى تعرض سفارات الامارات والسعودية وقطر والبحرين ومصر وسفارات أخرى ، للتهديد اضطرت كثير منها الى ترك العراق، بعد ان هددتها تلك الجماعات بالموت ان لم ترحل عن العراق، وما زال مسرح تلك الجرائم يتسع نطاقه الان، تحت مسميات مختلفة وان تشابهت الدوافع والأغراض ، ولم تحترم الدولة العراقية حتى ضيوفها ممن يزورونها تحت إطر سلمية مختلفة ، وما جرى من أشكال تعامل مع سفارة تركيا وقبلها مع عمال ومهندسين أتراك شاهدا على مانقول، وقبلها جرى مع سواق اردنيين ، وكانت أحداث اختطاف الصيادين القطريين ، وهم من مستويات اجتماعية رفيعة من العائلة المالكة ، إحدى معالم تلك السياسة المتعثرة ، بحيث أصبح حماية ضيوف العراق ومن يزورونه أمرا في غاية الصعوبة.ولا ندري كيف سيكون حال السفارات الخليجية الاخرى وبخاصة بعد افتتاح السعودية لسفارة لها في بغداد، واحتمالات تعرضها لنفس المخاطر، ماينبيء ان القائمين على رسم سياسة العراق، لايهمهم ماتتركه تلك الممارسات وأشكال السلوك غير المرغوبة لاعربيا ولا إسلاميا ولا دوليا، بل وحتى إنسانيا ،  من مخاطر مؤذية على مستقبل العراق وتهدد كيان دولته في الصميم، وتعرض السفارات العربية الى التهديد المستمر.
3.    ويتوقع خبراء السياسة انه اذا بقيت كل تلك الممارسات الشاذة هي من تحكم مسار الدولة العراقية، فأن علاقات العراق ستتعرض مرة أخرى الى قطيعة قاسية قد تؤدي الى إخلاء أكثر الدول العربية لسفاراتهم في العراق ، لانعدام الأمن والامان وعدم قدرة أجهزة هذه الدولة على حماية بعثاتها الدبلوماسية وحتى ضيوفها من مواطنين على درجة عالية من المكانة وآخرين عاملين لديها في مؤسسات دولتها ويقدمون خدماتهم لها ، واختفت معالم الضيافة العربية في أبسط أشكالها وانهارت منظومة القيم العروبية لدى الدولة العراقية بسبب كل تلك الجراحات والشروخ الأليمة في أساليب تعاملها مع الغير، وعلى أسس طائفية ومذهبية ، لاتمت الى الإسلام والعروبة بصلة.
4.    وفي المقابل يلاحظ العراقيون مظاهر لتواجد غريب على أرضهم لغرباء يدخلون العراق عنوة وبلا تأشيرات او جوازات سفر، وبعضهم لديه أغراض تخريبية داخل العراق، ولا أحد يتعرض لأمثال هؤلاء الخارجين عن القانون والنظام، ممن ينتهكون سيادته ولا احد بمقدوره ان يضع حدا لهذا الانفلات في الدولة العراقية، بل انه حتى المواطن العراقي وبخاصة من مدن الوسط والجنوب راح يصرخ بأعلى صوته من على منابر الفضائيات ان تدهور الوضع الأمني في تلك المحافظات يجعل المواطن لايأتمن على حياته وهو يخرج كل يوم ويواجه مختلف أشكال التهديد لحياته، فكيف يكون بإمكاننا ان نحمي الآخرين ونحن غير قادرين على حماية المواطن في البصرة أو السماوة او الناصرية او الديوانية أو في العاصمة بغداد ، مقر الدولة العراقية التي لاتعرف كيف تدير البلد، والا كيف يخرج وزير الداخلية او وزير الدفاع في وسائل الاعلام وهم لايعرفون كيف تنتهك سيادة الدولة ويتم إشاعة الرعب لدى ضيوف العراق عندا يزورونه، في حين ينعم ضيوف آخرون بمختلف أشكال الحماية في شوارع بغداد والمحافظات، لأنهم من رعايا دولة مجاورة، وهم بمئات الألوف ، ولا يمكن ضمان حياة بضعة أشخاص كانوا ضيوفا على العراق، بالرغم من اختلافنا مع دولهم وأراءنا بشأن مواقفهم ، التي لدى العراقيين وجهات نظر متحفظة عليها.
5.    ان بقاء ممارسات الاختطاف على هذه الطريقة لتكون السلوك الشائع في بلدنا يعني أن علينا أن نقرأ على العراق ، واذا كان القائمون على حماية هذا البلد غير قادرين على توفير الأمن لمواطنيهم ولضيوفهم من دول أخرى، فيعني هذا أننا سلمنا رقابنا للعابثين بالأمن والمخربين لأصول دولتنا اولا، قبل الدول الأخرى، لان من لايحترم ضيوفه ولا العاملين الاجانب لديه سوف لن يحترمه الآخرون من الدول الأخرى ولا يقيمون له وزنا ، وسيكون مستقبل العراق وسلامة مواطنيه وبخاصة في دول الغربة في خبر كان ، إن بقيت الدولة العراقية تائهة مرتبكة على هذه الشاكلة ومبرراتها أقبح من فعلة تلك الجماعات التي عاثت في الأرض خرابا ودمارا، وهي من أوصلت العراق الى هذه المكانة المنحدرة الوضيعة التي يشكو مواطنوها قبل الآخرين من الغرباء من ممارساتها الشاذة التي أدمت قلوب العراقيين وأصابت قيمهم واخلاقياتهم في عدم توفير الضيافة والكرم والملاذ الآمن لضيوفهم في الصميم، وعرضت سمعة العراق لمخاطر كبيرة أهمها ان يتعرض العراق لعزلة عربية وإقليمية ان بقيت سياسات البلد تتخبط على هذه الشاكلة غير الموفقة وغير الحكيمة بالمرة.
6.    وحتى على صعيد التحالفات الاقليمية لايجيد القائمون على الدولة العراقية اتخاذ مواقف عقلانية أزاءها ، وتبرز حالات التصعيد الطائفي مع أية بادرة تنطلق من أية دولة عربية وكأن العرب جميعا خد أحمر لاينبغي الإقتراب منهم او الانسجام أو التعامل معهم بالقدر الذي يحفظ مصلحة العراق، وتكاد مصلحة العراق هي الغائب الأول من بين كل تلك السياسات المرتبكة والمتعثرة ، التي لاوجود فيها لمعالم دولة تحفظ هيبتها أولا، لكي يحفظ الآخرون هيبتها ويحترمونها ، ولا نرى موقفا واضحا لوزارة الخارجية يخرج الى العلن ليوضح خلفيات تلك الاحداث والمواقف، وكأن الخارجية العراقية آخر من يعلم ، وترى الآخرون يغردون ليل نهار وهم من يتحكمون في رقاب وخطط الدولة العراقية وتوجهاتها والقائمون على وزارة الخارجية لايهمهم أمر مايجري بشأن علاقات بلدهم من قريب أو بعيد، وهو أمر يدعو للأسف والأسى والقنوط وللرثاء ، ان يصل حال البلد الى هذا المستوى ، حتى راح ينطبق علينا المثل المعروف فيمن يحكم العراق ( ماتعرف رجلها من حماها ) ، وهذا الفلتان والفوضى هو من اوصل البلد الى هذا الحال، بحيث راح ينتهك سيادته ( الحصيني وأبو الجنيب ) كما يقال في المثل العراقي، بل واختفت السيادة من معالم الدولة العراقية واختفت من قاموسها معالم الاستقلال والمكانة ، وحلت بدلا عنها خرق السيادة وانتهاك كرامات مواطنيه والدول الأخرى، بحيث لم يعد بمقدور دول العالم ان تقيم لنا وزنا او تتعامل معنا بإحترام، ما افقدنا مصداقيتنا ، بعد ان ضيعنا الخيط والعصفور كما يقال.

أحدث المقالات

أحدث المقالات