23 ديسمبر، 2024 5:59 ص

مؤشرات على أنهيار الدولة العراقية

مؤشرات على أنهيار الدولة العراقية

قد يستغرب البعض الحديث عن أنهيار الدولة العراقية ونحن هنا نعني كمؤسسات ومن يتابع الشأن العراقي يدرك ما وصل اليه العراق فمع تدهور أوضاع الدولة العراقية الأقتصادية والسياسية والأجتماعية يعلم جيداً أن انهيارها أذا أستمرت على هذا الوضع الحالي بات قريب خصوصاً مع توقعات الولايات المتحدة أن يستمر الصراع المسلح في المنطقة و العراق الى 30 عام وربما يكون هذا صحيح لكن لن يكون ضمن هيئة الدولة العراقية الحالية. وهنالك عدة مؤشرات تبين قرب أنهيار وضع العراق كدولة أهمها :

1-الوضع الأقتصادي

يعلم الجميع ان العراق لايوجد فيه أقتصاد و الدولة تعتمد بالكامل على ايرادات النفط في تمويل مؤسساتها خصوصاً بعد أحتلال العراق عام 2003 وهو يخلو الآن من أي أنتاج صناعي او زراعي ويتعمد بالكامل على الأستيراد من دول العالم وأذا ما أستمر أنخفاض أسعار النفط والتي يرجح أنها ستستمر بالأنخفاض لعدة اسباب منها (العامل التقليدي ، المتمثل بقوى العرض والطلب وبالذات زيادة المعروض وتحول بعض الدول من دول منتجة الى دول مصدرة مثل (غانا.البرازيل) ،وتقدم تقنية الحفر الأفقي التي أدت الى زيادة أنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة. كما أن هناك تراجع في الطلب العالمي على النفط بسبب ضعف اداء الأقتصادات الرئيسة في العالم . كما ان الدول المستهلكة الرئيسة قد نجحت في المواءمة بين متطلبات نموها الأقتصادي ، وبين معدلات استهلاكها للنفط ، بحيث لا يؤثر خفض الأستهلاك على خفض معدلات النمو الأقتصادي فيها . وايظا أن الدول المستوردة بدأت بأستخدام الطاقة النظيفة مثل حقول الطواحين الهوائية والطاقة الشمسية في اطار تنوع مصادر الطاقة بالأظافة الى أستخدام هذا الأمر  سياسياً  لأضعاف روسيا وايران خصوصاً وأن المملكة العربية السعودية  الحليفة لأمريكا مستعدة لبيع برميل النفط بخمسين دولار وسبق أن فعلت ذلك في في حرب الخليج الثانية عندما كان سعر برميل النفط 30دولار قامت المملكة العربية السعودية ببيع البرميل ب8  دولارات لأضعاف العراق أقتصاديا ..وهذا بالأظافة الى بيع المهربين في العراق و تنظيم داعش برميل النفط 25 دولار حالياً من الحقول التي يسيطر عليها داعش في سوريا والعراق ).
ومايشير الى أنهيار الدولة العراقية أقتصاديا هو أستمرارها بصرفياتها الضخمة دون التشقف أو وضع خطة لمواجهة الأنخفاض في أسعار النفط  فالعراق يصرف يومياً على الأمور العسكرية وتمويلها أكثر من 25 مليون دولار وأشترى أسلحة من الولايات المتحدة خلال هذا العام فقط بمبلغ عشرة مليار دولار وأشترى من ايران ذخائر أسلحة بمبلغ 200 مليون دولار ومن روسيا بما يقارب ثمانية مليار دولار . في حين يصرف على باقي الوزارت عشرات المليارات من الدولارات دون أنجاز على الأرض ودون مردود بالأظافة الى أمتيازات ورواتب المسؤولين التي أصبحت تنهك الدولة .ناهيك عن الفساد الأداري الذي ينخر في مؤسسات الدولة والعراق مصنف الثالث عالمياً فيه حتى وصل الأمر بأن البعض يتوقع أن لايتم أقرار موازنة في عام 2015 أو أن تشهد عجزا كبيراً في تنفيذها .

2-الوضع السياسي

لا أحد يعلم ماهو شكل النظام السياسي الحالي في العراق فهو وفق الدستور ومعظم القوانين مدني وما نراه يطبق على أرض الواقع اسلامي بحت بدءاً من فصل الذكور عن الاناث في الجامعات وملئ الشوارع بالشعارات الإسلامية وقانون الزواج الجعفري وغيرها .و حسب الدستور العراقي الذي ينص على أن العراق هو نظام جمهوري برلماني ديمقراطي فيدرالي ممثل .ورئيس الوزراء هو رئيس السلطة التنفيذية وهذا مغاير لما نشهده حالياً فلا وجود للديمقراطية لأن أي أنسان يتعرض أو يختلف مع هذا النظام يتعرض للأعتقال أو القتل أو الأقصاء، ولاوجود للفدرالية الا فقط في أقليم كردستان وأما باقي المحافظات لاتستطيع تغير أو تعين ظابط شرطة دون أوامر رئيس الوزراء وهو أقرب الى نظام إسلامي مشابه للذي في ايران لأن القائمين على السياسة يأخذون أوامرهم الغير مباشرة من مراجع دينية فعندما أمر المرجع الديني بتغير رئيس الوزراء السابق نوري المالكي تم تغيره وعندما أمر المرجع الديني الناس بحمل السلاح عندما دخل داعش الى الأراضي العراقية حملوه مع أنه خارج أطار الدولة والدستور بالأظافة الى أن الحكم هو بأسم الطائفة أي الاغلبية البسيطة وليس بسم الشعب  .

3-الوضع الأجتماعي

يعد العراق بلد قبلي عشائري متعدد الديانات والقوميات والطوائف وأي تجاهل أو أقصاء أو تهميش لأي طائفة أو ديانة أو قومية يعزز الشعور بالظلم ومن ثم يؤدي الى حرب أهلية وهذا الشعور تراكم منذو عشرات السنين الى أن بلغ أشده عام 2006  عندما بدأ تمزق النسيج الوطني العراقي وبدأت الناس تلجأ الى الطائفة  والقبيلة والقومية مع غياب كامل للمؤسسات الدولة العدالة التي تستعيد الحقوق، وبما أن مراكز الشرطة والمحاكم لاتحل المشاكل ولاتأخذ الحق لأحد لجأت الناس الى العرف القبلي خصوصاً ونحن مجتمع غير مسامح يبحث عن ثأره وهذا ما أجازته له القبيلة والدين لذلك معظم الناس ممن فقدوا شخص عزيز عليهم مازلوا حاقدين على طائفة قتل مسلحيها هذا الشخص الى أن وصل الأمر أن الشخص السني لم يعد يستطيع السير في منطقة شيعية والشخص الشيعي لم يعد يستطع السير في منطقة سنية وكذلك المسيحي والكردي وبعد سقوط الموصل تعزز جيداً هذا الشعور فالمسيحيين والايزيدين شعروا أن الجيش ذات الأغلبية الشيعية تخلى عنهم ولم يوفر لهم الحماية وأن السنة ايظا تخلوا عنهم وأحتضنوا من هاجمهم وقتلهم وهجرهم ، والاكراد شعروا أن الدولة لاتهتم لأمرهم عنهم عندما سمحت لعصائب اهل الحق أن تهددهم وهي تمثل نسبة من الشيعة في البرلمان ومحمية من قبل الحكومة الشيعية، وتخوفوا من هجوم تنظيم داعش السني في العراق الذي يختلف عن أمتداده السوري لأن معظم مقاتليه من العراقيين السنة فهو يضم أكثر من 45 الف مقاتل عراقي من مجموع مقاتليه الذي يقدر عددهم ب50 الف ومعظهم من الفئات التي أقصاها النظام الحالي بعد عام 2003 وحتى أنه أكتسب قوته القتالية من خبرة ضباط الجيش العراقي السابق وهو ايظا يهدد الشيعة ويهاجم مناطقهم وفي المقابل المليشيات الشيعية تهاجم المناطق السنية وتعتبر ممتلكات منازلهم غنائم حرب، وهذا الأمر لم يقتصر على الطوائف بل وصل الى القبائل. فقبائل الجنوب الشيعية شارك بعضها وسكت البعض الأخر على طرد قبائل السعدون السنية من الجنوب وهي تتهم قبائل البيجات والبو عجيل السنية بأرتكاب مجزرة قاعدة سبايكر العسكرية وقبائل ديالى السنية تتهم قبيلة الزركوش الشيعية بأرتكاب مجزرة جامع مصعب بن عمير. بالأظافة الى وجود الخلاف الداخلي بين الطوائف نفسها أي الخلاف الشيعي الشيعي بين الرافضين لسيطرة العمائم على الدولة والمؤيدين للمدنية وحتى بين العمائم أنفسهم وهو الصراع بين المؤيدين لحوزة النجف وبين المؤيدين لحوزة قم وخلاف سني سني بين المؤيدين للنظام الحالي والمعارضين له والرافضين للعملية السياسية بعد عام 2003 وبين التيار المدني والتيار الإسلامي. وهذا التفكك الأجتماعي ظهر حتى من خلال أستقبال النازحين بعد سقوط الموصل فالمحافظات والمناطق الشيعية أستقبلت فقط النازحين من مدينة تلعفر الشيعية في الموصل و من مدينة طوز خرماتو الشيعية في صلاح الدين و يرفضون أستقبال النازحين من الانبار السنية وتركوهم ينتظرون على حدود محافظة كربلاء ومحافظة بابل والمناطق السنية تستقبل النازحين السنة فقط ورأينا مظاهرات كردية ترفض وتندد بأستقبال النازحين العرب على أراضي كردستان حتى وأن كانت حكومة كردستان رفضت ذلك لأسباب سياسية ولكن ما نتحدث عنه هنا هو أن هنالك تمزق أجتماعي ينذر بتقسيم سني سني وشيعي شيعي وحتى كردي كردي لذلك أذا ما أنهارت الدولة كمؤسسات لن ينقسم العراق كما يتصور البعض الى ثلاث أقاليم ،سني، شيعي ،كردي ،بل سيذهب الى تقسيم مناطقي وعشائري على أساس التشابه العقائدي أو الفكري .

أن حرب الأستنزاف البشرية المستمرة والتي لاتنبأ بنهاية لها كما حصل في دول عاشت وضع العراق مثل صربيا أو غيرها تجعل لغة الأنتقام والثأر متوارثة لأجيال .وحرب الأستنزاف المالي الذي كلفت العراق أكثر من 1000 مليار دولار خلال عشر سنوات فقط دون أي تقدم علمي أو حضاري أو عسكري تنبأ بأنهيار أقتصادي كامل .وحرب أستنزاف الكفاءات الذي أفقدت العراق كفاءاته من كل الأختصاصات أو أجبرتها على الهجرة دون رجعة مما ينبئ بولادة جيل جاهل أصبح يدرس العقيدة الطائفية التي تخدم التعصب أكثر من العلم الذي يخدم الانسانية والتطور ، وكل هذه الأمور تنبأ بأنهيار الدولة العراقية بعد أن عاشت حالة من التفكك لمدة أحد عشر عام بعد الأحتلال الأمريكي للعراق .