18 ديسمبر، 2024 7:22 م

مؤشرات الارهاب على أنخفاضٍ ومؤشرات الفساد على أرتفاع

مؤشرات الارهاب على أنخفاضٍ ومؤشرات الفساد على أرتفاع

الخطاب الاعلامي لمن يُحسب علينا ساسةٌ ومفكرين وعُلّام لم يَعُد يَسدُّ حتى فراغاً بعمق العملية السياسة التي أصبحت فارغة تماماً من محتوى أي هدف تسعى اليه وباتت مجرد هياكل تعود الى زمن مضى لا تقي من حرّ ولاتحمي من برد ولاتستطيع حتى أن تؤثر على عامة الناس ولا على النخب منهم فقط أسألوا أي عابر عليها ليكون الجواب ( يمعود كلهم يم…أترك لكم ملئ الفراغ ) ويبدو أنهم يخجلون من أن يبثوا الحماس فيها مثل الايام الخوالي التي تنادي بالتحرر والرفعة بل أخذوا يُلحقون بها مصطلحات جديدة ساذجة ومكررة وحلّت كلمة الشارع ليطلقوها علينا بدلا من أيها الشعب الكريم أو المجاهد التي أُبتلينا بها على سنوات من القهر والظلم وكان ألاجدر بهم أن ينعتونا بتلك الكلمات لنصبح الشعب الاكثر قهراً وظلما .
لايخرج علينا أحدهم بخطاب الا من أجل بُدعة الدعاية السياسية التي لازالوا مقتنعين فيها والتي لايملكون ورقة غيرها وتتناغم تلك الدعاية مع المستجدات وما يجري من أحداث على المستوى المحلي أو الاقليمي والبعض الاخر يبحث عن فرصة لتحسين الصورة التي أُتلِفتْ بالفكر الجمعي لدى العامة , والبعض الاخر لازال مترفعاً في صومعته بأماسي لاتدخل من باب ولاتخرج من بابٍ آخر ليعتبرها وأجب أرثي قدسي يحتم علية النصح والارشاد والقسم الاكبر منهم لايعرف غير الدعوات الغير واقعية للحكومة لعمل ما وقسم منهم يمزج مع تلك الدعوات تهديد ووعيد فأن لم تفعل الحكومة فسوف نكشف ونستقيل ونناطح ليكون أرشيفاً يعتمده في حواراته ومناكفاته عبر القنوات الفضائية السباقة لعمل برامج سياسية على مستوى الابداع الذي لديهم , وكل تلك الخطابات تمر دون أحداث أي تأثير أو تغيير على مستوى أي مسار ولا تؤسس على الاقل منهجاً يمهد لرؤية قد تنجح في حل الازمات المتشابكة ولا تطلق أي برنامج أصلاحي حتى على مستوى الخدمات أو التعامل مع المؤشرات التي وضعت العراق أسفل القائمة من بين الدول العالمية الاخرى حتى التي تصنف على أنها من الدول الفقيرة .
وألمؤسف فيها أن بعضها لا يخرج بالوقت المناسب لا على مستوى الحدث ولا حتى على مستوى التوقيت وكل الوعود التي تطلق لاتُلزم محدثنا لكثرة ما تم تسويفه منها وأقرب الوصف الذي يطلق على المتحدث هو ( بياع كلام ) , ورصيد تلك الخطابات أصبح أجهل من أن يُراجع لأنه كالغبار الذي يُصعّب علينا الرؤية في النهار , وعندما تكون تلك الخطابات على مستوى أعلى سلطة تنفيذية في البلد ويتم فيها أطلاق الوعود وبصراحة قاطعة لا لبس فيها يكون من المحتم علينا أن نستذكرها لغرض الاستعداد اليها على الاقل , وأحد تلك الخطابات كان قد أطلقها رئيس الوزراء في أحدى المناسبات الرسمية بعيد الشرطة العراقية وكان وعدٌ منه بان عام 2016 سيكون عام القضاء المحتم على الارهاب وتحرير كامل الاراضي العراقية وكذلك أعتبر السنة الحالية هي سنة القضاء ومحاربة الفساد جنباً الى جنب مع محاربة الارهاب , ( وذكّر عسى أن تنفع الذكرى ) ومع هذا لم يأخذ هذا الخطاب مداهُ الاعلامي ليكون خطاباً تاريخياً كونه يتعامل مع أنقلاب مفصلي في تاريخ الحكومات المخجل التي تعاقبت بعد 2003 .
واليوم وقد مضت ستة أشهر على ذلك الوعد ومن خلال قراءة البينات المستجدة على الساحة نرى أن مؤشر الارهاب فعلا قد أنخفض وخاصة بعد الانتصارات التي تحققت وتحررت أعقد حلقة من حلقات الارهاب التي تطاولت على أرض العراق المجيد , وقد عمًت فرحة النصر في الاوساط الشعبية بالرغم من النغصة التي في قلوبهم من أخفاق في ملف الاصلاح وعلى رأسها القضاء على الفساد , واليوم تم التأكيد من المتحدثين بأن هذا العام سيكون نهاية الارهاب وأعادة تحرير أرض العراق وأهلهِ من الجرائم التي لحقت بهم , ومن باب الوطنية المطلقة علينا أن نزرع في قلوبنا أملاً صارخاً بأن الوعود التي أُطلقت بشأن مؤشر الارهاب في العراق سيتحقق حتما مهما كلف الامر, وسيحسب هذا النصر للعراقيين جميعا لا فضل لأحدهم على الاخر ألا بالتضحية بالنفس ( والجود بالنفس أقصى غاية الجود ) ولكن الامر الذي تخلّفت عنه الوعود هو ملف الفساد الذي يصفهُ البعض بأنه أخطر وأعمّ وأشمل من الارهاب أو على ألاقل هوالوجه الاخر منه .
وبعرض مؤشر الارهاب والفساد على مقياس الارتفاع والانخفاض فمع أن الارهاب قد تراجع وأنخفض ألا أن الفساد بقى يراوح في مكانه أو لعلّه أشد وأقسى وخاصة عند ربطه بالبعد الزمني ومد التاثير المفجع في قطع أي أمل لدى العامة من الناس وخاصة الشباب منهم والمتطلع لمستقبل يعتبرهُ أملاً صعب التحقيق فأغلب المسارات قد تعطلت وبات واضحاً للحكومة بأن التحدي المقبل هو كيفية تحول الحكومة من مستنقع جاذب للفساد الى طارد له وما لم تتخذ الحكومة أجراءات فعالة تمس الواقع وتتناغم مع الارادة الشعبية فالاحتمال الاكبر أننا سنواجه أرهابا بعد الاخر وأن تغيرت هيأته أو منهجه أو آلياته , وسوف يكون وقع ذلك خطيراً كون المطالبات تعتمد شرعية المطالبة بالاصلاح كحق أجتماعي وشرعي وقانوني , ولكن من يضمن أن تلك المطالبات ستجري ضمن آليات الدستور والقانون , ذلك الدستور الذي عمل القائمون عليه على تحقيق المنافع السياسية والشخصية وتقديمها على المصلحة العليا للشعب وهذا أدى الى تنامي الشعور بأن العملية السياسية أصبحت خردة لايمكن أن تُصلح نفسها وهذا هو المنطق القائم فعلاً , وما لم تقوم الحكومة بأعداد الخطط
اللازمة والسريعة لمحاربة منظومة الفساد وتفكيكها وفصل حلقاتها المتسلسلة التي تُحيط بالاقتصاد و تمنعهُ عن النمو وأن تسير تلك الخطط بمواكبة الحرب على الارهاب وأن تنتشل البلد من الحلقات الفارغة التي أسمهت وأسَست الى الفساد وهي كثيرة في الحكومة كمجالس المحافظات والمجالس البلدية والاسناد ومجالس أخرى تعددت وأصبحت جاثمة على حقوقٍ الشعبُ أولى بها وأن تناط هذه المهمة بمجلس شعبي يكون أعضائه من خارج المكون السياسي وأن تكون له الصلاحيات والاليات الفاعلة التي ستحدد المهام وأن تحتوي الغضب الشعبي والاحتجاجات أذا ما أنحرفت عن المسار السلمي وعدا هذا فلن يكون شعار المحتجين بعد اليوم ( وين الوعد يا عبادي ) بل سيأخذ منحى ومفهوم جديد وسيتحول الى ( فات الوعد ياعبادي ) وعلى كل من يرى في نفسه وازعاً للأصلاح فليتقدم وألا فليسكت , والشعب قد أُعذر لأنه قد أنذر والعاقبة للمصلحين .