23 ديسمبر، 2024 8:30 ص

مؤسسة المرجعيات الدينية العراقية

مؤسسة المرجعيات الدينية العراقية

لامرجعية دينية واحدة تتحكم بالعراقيين المتنوعين
ما أن أعلن في شهر آب من عام 2014م تكليف د. حيدر العبادي بتشكيل حكومة العراق وإبعاد نوري المالكي عن ولاية ثالثة إلا واستبشر كثير من الناس داخل العراق وخارجه أفرادا وحكومات معبرين عن ذلك بالتهاني والأمنيات، وهذا نابع من الاحتقان المتأ صل في نفوسهم على المالكي الذي أفسد العراق بكل مفاصله داخليا وخارجيا في ثمان سنوات عجاف عاشها العراقيون وغيرهم متجرعين مرارةً لم يشهد لها التاريخ مثيلا.

وهو استبشار متسرع عاطفي لأن المستبشرين نظروا بعين واحدة ترى عزل المالكي و لم ينظروا بالعين الأخرى إلى بديل المالكي ، ربما يكون العبادي البديل عن المالكي أقل ضررا من سلفه بحكم ثقافته و شهادته الأكاديمية لكنه لا يختلف عن المالكي في الأفكار والمبادئ فهو والمالكي من حزب واحد وعقيدة واحدة، وإذا تجاوزنا قضية الجنسية البرطانية التي يحملها العبادي والتي لاتجيز له أن يتولى مركزا قياديا هاما في العراق فإن العبادي كرر قضيتين في طروحاته بعد تكليفه وهما:

القضية الأولى – أن المطالب التي يطالب بها العراقيون ينبغي أن تكون في إطار الدستور العراقي ولا تنفذ ما لم تكن كذلك ، وهذا كلام طالما ردده المالكي مئات المرات، وهو كلام جيد في ظاهره لكنه يعني رفض حقوق العراقيين المطالبين بها جملة وتفصيلا.

والقضية الثانية – أن العبادي كررفي تصريحاته القول بأنه يلتزم التزاما كاملا بأوامر المرجعية الدينية العليا في النجف ( ويعني السستاني الذي يمثل مرجعية بعض الشيعة في العراق) وهذا ما أروم الوقوف عنده قليلا وأناقشه مناقشة هادئة بسيطة يدركها كل فرد عراقي.

ذلك أن العراقيين الذين يعيشون على أرض العراق متنوعون قوميا (عرب + كرد + تركمان وغيرهم) ودينيا (مسلمون + مسيحيون بطوائفهم + صابئة + أيزيديون وغيرهم) ومذهبيا ( سنة + شيعة + شبك وغيرهم) وعلى ذلك فإن المنطق يقتضي أن يكون االذي يتولى قيادة العراق عراقيا لكل العراقيين بغض النظر عن قوميته ودينه ومذهبه , وأعني ( رئيس جمهورية العراق السيد معصوم كردي، ورئيس مجلس النواب العراقي السيد سليم الجبوري سني عربي، ورئيس مجلس الوزراء العراقي د. حيدر العبادي شيعي عربي) وهذا وإن كان تقسيما ممقوتا لكنه أصبح واقعا في سياسة العراق التي أرساها الاحتلال منذ عام 2003م.

والحق أننا لم نسمع من رئيس الجمهورية ولا رئيس مجلس النواب الجديدين كلاما يشعر بالطائفية ولا ذكرا لمرجعيتهما التي ينتميان إليها ( السنة والكرد)، أما رئيس الوزراء المكلف( الشيعي) فقد ذكر الالتزام بمرجعيته المذهبية مرارا وتكرارا.

وهنا يحق لكل عراقي أن يسأله بأي منطق يا رئيس الوزراء المكلف تريد أن تحكم العراقيين المتنوعين وتلزمهم بامتثال أمر مرجعية واحدة ؟؟؟ وتحصرهم بتوجه مرجعية واحدة ؟؟؟ وهي مرجعية السستاني، وياليتها كانت مرجعية عربية عراقية وإنما هي مرجعية فارسية إيرانية رفضت أن تأخذ الجنسية العراقية ، وياليتها مرجعية تمثل الشيعة كلهم فأين مرجعية الصرخي والنجفي والحكيم والفياض وغيرهم؟؟؟ ، ثم ما مصير مرجعيات السنة العرب، ومرجعيات الكرد، ومرجعيات التركمان (وهم من السنة أيضا)، وأين مرجعيات المسيحيين بتنوع طوائفهم، ومرجعيات الصابئة، والأيزيديين وغيرهم ؟؟؟، أليسوا عراقيين يتساوون في الحقوق والواجبات ؟؟؟ إن هذا التوجه من رئيس الوزراء العبادي سيبقي العراق في دوامة العنف واستمرار المآسي لأنه توجه يبدأ عمله بالإقصاء والتهميش ورفض الآخر.

مقترح هام:

إذا أرادت الرئاسات العراقية الجديدة أن تنطلق في قراراتها وتصرفاتها مع العراقيين جميعا تحت راية التوجهات الدينية فيلزمها أن تقيم مؤسسة للمرجعيات الدينية في العراق تضم في عضويتها ممثلين عن العراقيين ينتخبهم العراقيون كل ينتخب من مكونه، فيكون للسنة والشيعة والكرد والتركمان مرجعية تمثلهم بواقع عضوين لكل مكون منهم وللطوائف الأخرى مرجعية بواقع عضو واحد لكل طائفة. على أن يسنّ قانون ينضم هذا الأمر، وأي مرجعية خارج هذه المؤسسة لا يؤخذ برأيها في سياسة الدولة، ويمكن زيادة عدد الممثلين حسب الحاجة لإنجاح مسيرة المؤسسة. وإلا فالسياسة واحدة والوجوه والأسماء مختلفة والدمار مستمر.