مكافحة الفساد ليست مهمة جهة بعينها، لكّنها مسؤولية تضمانية تبدأ من الاخبار عن وقوع الجريمة، لكي تمّر بعدها بالتحقيقات الادارية ومن ثم القضائية وصولاً إلى اصدار قرارات المحاكم المختصة بادانة المتورطين وفق الادلة المتوفرة.
ولعل الاساس الذي تبدأ منه عملية المحاسبة ضروري، وينبغي تسليط الضوء على بعض الاخطاء التي ترافقه بالنظر إلى وقائع حقيقية معروضة أمام القضاء العراقي.
هناك من تعرّض إلى القضاء، وأتهمه بالتقصير في اداء الواجب، في مقابل ذلك، تم اغفال جانب مهم واساسي في الوصول إلى جناة المال العام، وهو التحقيق الاداري الذي كان من الاسباب الرئيسة في تعطيل حسم كم من الدعوى.
كما هو معروف بان التحقيق الاداري هو الاطار العام الذي يمكن أن تبنى عليه المسؤولية الجزائية للموظف المخالف للقانون مهما علت درجته كونه، وبرغم أن نتيجته غير ملزمة للقاضي، يحدّد الملامح الاولية للجريمة ومرتكبها، لاسيما ما يستهدف المال العام.
من المشكلات التي تعترض محاسبة الفاسدين أن الجهات التي تجري التحقيق الاداري في مؤسسات الدولة تؤكّد الوقائع عدم امتلاكها المؤهلات الكاملة لتولى مهمة اقتفاء اثر الحقيقة، أو أن البعض من كوادرها يتعمد تضليل القضاء لغايات مختلفة.
أن العديد من الجرائم التي تصل للقضاء وتخص التطاول على المال العام في الدوائر الحكومية، يطلب القاضي المختص بشانها ما توصل إليه التحقيق الاداري، ومن ثم تصل النتائج بعد مدة من الانتظار مفادها أن التحقيق اثبت تورط موظف ما، ولعله أمر جيد من الوهلة الاولى.
ولكن الحال لم يستقم على ذلك لكي تنجز التحقيقات القضائية، فبعد مرور ستة اشهر على اقل تقدير يرد الى المحكمة تقريراً ملحقاً يقول إن الموظف الوارد اسمه بموجب التقرير السابق ليس مسؤولاً عن الواقعة، وانما حصل التقصير من زميل له، بحجة أن الامر تم اكتشافه لاحقاً، هذا اذا لم يمتنع الوزير او من يقوم مقامه قانونا عن المصادقة على التحقيق الاداري ويامر باعادته!
هذه الاجراءات ومع طول مدتها وتأثيرها على حسم الدعوى، فأنها ايضاً تولّد ارباكاً لدى القاضي المختص، كما أنها تولّد شكوكاً عن مدى جدية مؤسسات الدولة في الحفاظ على اموالها وتعمدها المماطلة والتسويف في محاولة لابعاد الشبهات عن المسؤول الحقيقي.
وما يعزّز القناعات بوجود تلك المساعي، هو أن قسماً من الدوائر وبرغم وجود الجريمة فأنها لا تطلب بعد ذلك الشكوى ضد المتهم، وهذا يعني أنها غير حريصة على اموالها أو على محاسبة المتورطين بالفساد!.
الذي يثير الاستغراب هو أن بعض الموظفين المتهمين بالفساد وبعضهم رفيعي المستوى حين يتم طلب مستمسكاتهم الاصولية يتبين أن الدائرة التي يعملون لديها لا تمتلك اي وثيقة شخصية خاصة بهم، فكيف صدر امر اداري بتعيينهم؟ وكيف تم منحهم رواتب طيلة المدة الماضية؟.
جميع هذه الحواجز، تجعل المختص والمتابع على حد سواء، أمام حقيقة مفادها وضع حواجز ادارية وبيروقراطية في بعض المؤسسات لتحصين الفاسدين من اي محاسبة، ومع هذا يبقى سؤال يدور في بالي مفاده “ما هو دور مكاتب المفتشين العموميين في الحفاظ على الاجراءات القانونية لوجود الموظفين وسلامة عملهم ونزاهتهم في دوائر الدولة؟”.