19 ديسمبر، 2024 8:31 م

مؤتمر وارشو ، عوامل النجاح والفشل

مؤتمر وارشو ، عوامل النجاح والفشل

في مطلع السنة الحالية اعلن وزير الخارجية الامريكي عن نية الولايات المتحدة عقد مؤتمر دولي للحد من نفوذ ايران في الشرق الاوسط ، وبعدها تم الاعلان عن عقد هذا المؤتمر في العاصمة البولندية وارشو في الثالث عشر والرابع عشر من الشهر الجاري . ومن الطبيعي ان تقف ايران ضد عقد مثل هذا المؤتمر، واعلنت روسيا وتركيا موقفها المناوىء له ، كما ان عددا من الدول الاوربية المهمّة نظرت اليه بعين الريبة ، لأنه يتضارب مع موقفها الداعي الى الالتزام بالاتفاق النووي الايراني والسعي الى تغيير سلوك النظام في ايران تدريجيا من خلال التعاون والضغوط ذات الطابع السلمي. فضلا عن ذلك فأنها استشعرت ان اختيار وارشو لأستضافة المؤتمر محاولة من ادارة ترامب لتعميق الخلافات الاوربية ولاسيما بين شرق اوروبا وغربها . واعلنت السيدة فيديريكا موغيريني المنسق الاعلى لسياسة الأمن وشؤون خارجية الأتحاد الأوربي انها لن تشارك فيه . وفي ضوء هذه التداعيات بدأت تخرج تصريحات من كبار المسؤولين في الادارة الامريكية ووزارة الخارجية البولندية ، ان المؤتمر غير موجّه ضد ايران ، ولا يهدف الى تشكيل تحالف مناهض لها ، بل انه مؤتمر معني بتعزيز الاستقرار والأمن في الشرق الاوسط ، وجدول اعمال المؤتمر سيتعرض الى جملة من التحديات بما فيها الأوضاع في سوريا واليمن وتطوير الصواريخ والإرهاب والتمويل غير المشروع والأمن السيبراني . وسينبثق عنه فريق عمل لمتابعة ما يتمخض عنه .
من الطبيعي ان هذه التصريحات المخفّفة وتغيير العناوين لن تحجب الحقيقة عن دوافع عقده ، وهي محاصرة ايران وزيادة عزلتها اقليميا ودوليا ، ويصب في خانة الضغوط السياسية التي تسلكها الادارة الامريكية للحد من نفوذ ايران في الشرق الاوسط ، والاّ من هو المعني بشكل مباشر أوغير مباشر بجدول أعمال مثل هذا أكثر من ايران !
هل سيغير هذا المؤتمر الوقائع والحقائق في الخريطة السياسية في المنطقة أو يؤثّر في اصطفاف الاطراف المتصارعة فيها ، وهل سيحقق هدفه في الحد من نفوذ ايران ؟ هذا أمر مشكوك فيه ، فأهمّية أي مؤتمر ونجاحه غالبا ما يكشف عنه مستوى المشاركين فيه وليس الموضوعات المدرجة على جدول أعماله مهما بلغت خطورتها . ولايشاهد ، لغاية الآن ،مزاج لدى الدول في المشاركة فيه بمستوى وزاري الاّ بشكل محدود . وقياسا على مؤتمرات سابقة عقدت خلال السنوات الاخيرة حول سوريا وليبيا لم تنجح في مقاصدها، يصعب التوقع في ان مؤتمر وارشو سيكون له تأثير حقيقي على الوضع في المنطقة ، ولن يكون اكثر من زوبعة اعلاميه سيزول اثرها بعد حين .
ما يحدّ من نفوذ ايران هو استقرارالمنطقة وعودة الهدوء اليها ، لأن العلاقة بين قوة نفوذ ايران والفوضى في المنطقة هي علاقة متماهية وطردية ، بمعنى انه كلما زادت الفوضى والصراعات يزداد النفوذ الايراني حدة وصرامة ، وكلما عاد الهدوء والاستقرار اليها يضعف نفوذها . وعلى هذا الاساس فان عملا جدّيا لأعادة الاستقرار الى المنطقة أفضل بكثير من مؤتمر لا يحدث تأثيرا على الارض .
المنطقة الان مهيّأة لأن يعود الهدوء اليها ، فكل الاطراف تعبت من الصراع بشريا وماديا واخلاقيا بما فيه الكفاية ، وهي جاهزة لتقبل تسوية تنهي الصراعات بطرق سلمية ، وراغبة في ذلك . واذا كانت هناك رغبة حقيقية وجادة لدى الدول التي ستشارك في هذا المؤتمر في تعزيز السلام والاستقرار في الشرق الاوسط ، فعليها البحث عن وسيلة غير مؤتمر وارشو ، وسيلة تمهد الطريق للتسوية و تساعد على جمع الاطراف المتصارعة اقليميا ، وبعكس ذلك لايعدو الحد من نفوذ ايران ووقف تمددها اكثر من قبض ريح .

أحدث المقالات

أحدث المقالات