بدأت تداعيات مؤتمرفي عمان الاسبوع الماضي بولادة غير طبيعية وبدون لجنة تحضيرية أو أهداف معلنة سابقة في العاصمة الأردنية تتجلى في الواقع العراقي المثخن بالهموم والخوف والفساد والاختراقات الأمنية . أجندة المؤتمر كانت أوضح أجندة معلنة ، فمنذ إنطلاق العملية السياسية في العراق حاول الكثير من القيادات المحسوبة على المكون السني من سلوك متخلف لايرقى الى الواقع الجديد ويصر على الرجوع الى الماضي وأجندة حزب البعث والخطاب القومي . لقد حثٌت تلك القيادات على مقاطعة العملية السياسية وتغليف الواقع الجديد منذ انطلاقه انذاك بصبغة الشيعية لحكومة العراق الجديدة وبث أفكار مسمومة باعدت بين جماهير السنة والحكومة العراقية . تناغمت ذلك التوجه مع توجهات القاعدة والأسلام السلفي وفتح الباب على مصراعية لقوى ومليشيات عسكرية سنية وشيعية لتتناطح بين أزقة الفقراء الذين فروا من هلع ومن جوع في كل التجاهات . ثم تلاحقت الأحداث ليظهر الى العلن ويدخل في العملية السياسية نخبة سنية معتدلة حاولت أن تفشل مشروع القوى التكفيرية ومشروع حزب البعث وتربط المحافظات السنية مع الحكومة العراقية .
ضغوطات من جانبين
حكومة العراق وبناءاً على المحاصصة الطائفية يمتلك قادة السنة فيها مساحة جيدة في صنع القرار الا أن النخبة السنية المشتركة في الحكومة كانت عرضة لضغوط مختلفة من جانب الحكومة العراقية ورئيس الوزراء من جهة ومن جانب الشارع السني من جهة أخرى . فالشارع السني مدفوع بأجندات داخلية وخارجية من قبل القوى المتطرفة قومياً ودينياً والتي ترفض الأعتراف بالواقع الجديد والشراكة الوطنية في قيادة العراق ولاتستوعب التغيير الذي حصل في الأيديولوجيا والعلاقات بعد إزاحة نظام البعث في عام 2003 . ولهذا النخبة السنية غرقت بين إتهامات الطرفين .
من خلال جمع الأحداث وتحليلها نجد إن جماهير المناطق الغربية والشمالية الذي يشكل السنة العرب غالبيتها دفعت الثمن ومازالت . فتلك المحافظات عاشت فوضى القاعدة حتى تمكنت عشائرالصحوة من صد القاعدة والمعارضة المسلحة , الا أن حكومة السيد المالكي لن تعمل بشكل يرتقي الى مستوى المرحلة لأستيعاب وإدارة المحافظات الغربية إدارة جيدة بحيث تفوت الفرصة على المتربصين بأمن الاهالي من تنظيمات حزب البعث والقوى السلفية التكفيرية . تورطت الحكومة العراقية أكثر في إثارة المكون السني بتوجيه تهم وإعتقال العديد من النخبة الحكومية السنية زاد ذلك سوء بدفع القوى المعادية للعملية السياسية الشارع السني مجدداً الى الشوارع ، ورغم المحاولات لجعل تلك المظاهرات سلمية الا انها تورطت بمصادمات مسلحة مع السلطة الأمر الذي دفع الجيش لقمع تلك الأنتفاضة .
وسط التصعيد وغياب العمل السياسي بين قيادات دينية وسياسية تتبنى خطاباً تصعيدياً طائفياً من الجانبين ضاعت فرصة أي حوار سياسي بناء يحافظ على سلامة المدنيين في تلك المحافظات . شيء مهم يجب إضافته أن الجيش وقوات الشرطة الأتحادية لن تُدرب على إنها قوات وطنية عراقية تحترم كل المكونات بل كانت تجاهر بشيعيتها في المناطق الغربية الامر الذي يعتبره سكان المناطق الغربية استفزازاً لسنيتهم ، وتماشياً مع الأايقاع الطائفي وغياب الوعي الوطني لدى النخبة وقطاعات واسعة من مكونات الشعب العراقي تحولت تلك المناطق الى حاضنة للقوى المتطرفة وحزب البعث وعدد كبير من ضباط الجيش السابق وقعت كارثة الموصل بأحتلالها من قبل عناصر مايسمى بالدولة الأسلامية بعد تحالفها مع الجناح المليشياوي من أجندة الزعامات التي إجتمعت في عمان .
مؤتمر الأجندة المتطرف
خطابان ظهرا بشكل أوضح بعد أزمة الموصل للقيادات الدينية والسياسية السنية : الاول هو الخطاب المعتدل الذي مازال يؤمن بإصلاح الحكومة العراقية وإمكانية المشاركة العادلة في إدارة البلد بالتعاون مع القوى المعتدلة الوطنية . هذا الخطاب يسير بخطوات قلقة مع إستمرار وزارة السيد المالكي لفترة ثالثة . والخطاب الأخر الذي عبر عنه مؤتمر عمان وهو خطاب
متشدد لشخصيات ترفض الاعتراف بالواقع الجديد وتعيش على أطلال الماضي ولن تقرأ خارطة القوى الأقليمية في المنطقة . وهذا الخطاب محور الحديث على الرغم من أن الأنهيار الذي تعرض له الجيش العراقي لأسباب لحد اللحضة لم تتضح معالمها ، الا إنها تعتبر ماحدث ثورة سنية ضد الواقع الحكومي وتبني شعار الزحف المسلح على بغداد ، وهو أمر مثير الى الأستغراب بأمية الخطاب السياسي لهذه الأجندة . وعلى الرغم من إحتلال الموصل وتصفية أثنياتها واثارها وتنفيذ الاحكام الجائرة بأهلها تتورط تلك القوى بمن فيها القوى القومية المتمثلة بتنظيم حزب البعث في مدح داعش وتشجيعها على إغتصاب نساء العراق !!!!! وكان الأمر غاية بالفضيحة عندما يمتدح زعيم حزب البعث عزة الدوري تلك القوى المجرمة المتمردة التي تعيث بأهالي المحافظات الشمالية والغربية فساداً وتخير المسيحيين بين الجزية والقتل .
لقد غاب الموقف الوطني عن مؤتمر عمان والقاسم المشترك بين تلك القوى هي عدائهم الى العملية السياسية والديمقراطية في العراق . ولأن عقولهم لا تستوعب التغيير توقفوا عند الكره لتلك الحكومة وللعناصر السنية المشتركة بها . والجدير بالذكر إن إعلانهم في معاداة حكومة المالكي هو نوع من الوقوع بالسذاجة وتغليف النوايا . فحكومة السيد المالكي منتهية صلاحياتها ولا أظن إنه سيفوز بفترة أخرى لأن معظم القوى الوطنية المشاركة بالعملية السياسية بما فيها قوى وشخصيات شيعية لا توافق بالتجديد للسيد المالكي . أما مظلومية السنة العرب التي يلبسها المشاركين بهذا المؤتمر من أجل كسب الدعم الأقليمي التركي والعربي فهو لايصلح في الوقت الحاضر لأستخدامه بشعارات التغيير والزحف على بغداد بمشاركة قوى معروفة بإجرامها في هذه الحالة تنتفي المظلومية وتستفز القوى والمليشيات الشيعية التي تجد نفسها متورطة بالصراع المسلح مع أبناء البلد الواحد وبالتالي تتحول الى حرب طائفية بإمتياز.
الثمن إذن بما يجري يدفعه سكان الموصل وكركوك وتكريت وديالى ، فدعوة المؤتمر لمواجهة حكومة بغداد نوع من النتحار العسكري والسياسي وزيادة عدد الضحايا من سكان تلك المناطق . وبما أن أكثيرية سكان تلك المناطق هم من العرب السنة سيكون العرب السنة أداة لأجندتهم المتعصبة والمتشددة والتي تجهل قراءة الجغرافيا والتاريخ وسنة الحياة في التغيير.