22 ديسمبر، 2024 10:50 م

تتوالى البيانات من هنا وهناك تتبنى المطالب الحقوقية التي نادى وينادي بها المنتفضون في الساحات ، وتتجه هذه البيانات بمضامينها لوجهات نظر منظميها على انها اتفاقا ضمنيا يرضي جميع الاطراف المشاركة في تظاهرات بات العالم باسره يعلم مسبباتها ودوافع تحركها الحقيقي الذي ثبت بانه جاء تلقائيا وكرد فعل على سلوكيات الحكومة التي لم تكن تعلم بانها انما عبثت بالحجرة الرخوة التي ادت الى انهيار الجدار بينها وبين الشعب لتكون في مواجهة متفردة ومختلفة معهم منذ العام 2003 .
الان وبعد ان سلم الجميع باحقية هذا الحراك سواء ممن تواجد في ساحات الاحتجاج او الطبقة السياسية الحاكمة او من يعمل في المجال السياسي او النشاط المدني والراي العالمي ايضا ، بات من البديهي ان تغييرا حتميا يجب ان يحصل ولا يمكن العودة في اي ظرف من الظروف الى ما قبل اكتوبر 2019 .
لكن الامر وبسبب صعوبة هذا التغيير وتعقد الاسس التي انبنت عليها اعمدة ادارة الدولة منذ التغيير في 2003 والتي نخرها الفساد حتى سقط سقفها ، وتعكز هذه الاسس على تشريعات قانونية ثبتت على انها القاعدة الدستورية التي حضيت بشرعية القبول الجماهيري باستفتاء كلنا يعلم بملابسات ظروفه ودرجة استعداد الناس لفهمه واستيعابه في حينه و التي حددت العلاقات بين الناس وكذلك علاقتهم بثرواتهم وتوزيعها ، حيث اثبتت التجربة ان هذه القاعدة الدستورية في ادارة هذه الدولة كانت تحوي على مآزق ولدت اختناقات وازمات كان نتيجتها انقساما حادا بين افراد المجتمع وكان من نتائجه ايضا مواجهات مسلحة كادت ان تصل حد الاحتراب الاهلي الذي اقترب في بعض اوجهه الى فترات عنف وصلت حد الحرب بعد ان وجد الارهاب الذي يحمل صفة العقائدية الدينية المذهبية ساحة خصبة لفعالياته المرعبة ما اعطى مبررا لتدخلات اقليمية وارادات دولية عقدت المشهد السياسي والاجتماعي ما اضطر الناس الى النكوص نحو حماية انفسهم بالاعراف والسنن القبلية ، وهو نكوص اضطراري لا بديل له في ظل عجز الدولة واجهزتها الامنية عن توفير الامن لضمان الحماية الشخصية والحفاظ على الممتلكات ، ولكن لهذا مشاكله المؤكدة ايضا التي انعكست بشكل واضح على اجهزة ومؤسسات الدولة اذ تحولت مجرد مكاتب توثيقية للحصول على رواتب واوراق انتماء ثبوتية ووثائق سفر وما الى ذلك من امور خدمية اجتماعية لابد لاي مجتمع ان يعيش بوجودها ، ولكنها اي هذه المؤسسات صارت مفرغة تماما من بعدها العام في مدخلاتها ومخرجاتها لتكون دكاكين تنتفع منها مراكز القوى التي دعمت التجارة الطفيلية وعمليات التهريب والمهن الاجتماعية المنحرفة حتى بات المجتمع يظهر وكانه في بركة اسنة من التفسخ والانحلال مترافقا مع مشاكل صحية وتعليمية وفوضى في المتبنيات المزاجية الغريبة حتى بدا وجه المجتمع مشوها في شكل مدنه وشوارعه وبناياته ما دفع الناس معظم الناس الى اليأس والقنوط والتسليم بهذا فوطنوا حياتهم لقبول السياق السلوكي الجديد واضفاء صفة العمومية عليه و الذي جعل العيش مبررا في ظل التحرك الفوضوي للحصول على امكانية البقاء والعيش فكانت الكارثة باتباع طرق لا تخضع لاتفاق اجتماعي معبر عنه في قوانين لاحتلال مساحات تحرك وبمزاحمة ومنافسة كانت دائما تستدعي البحث على اسناد من هنا وهناك ، كل هذا ادى حتما الى تهميش عدد ضخم جدا من الناس الضعفاء وضياعهم في لجة الفوضى ما اضطرهم نحو العمل في ساحات البطالة المقنعة سواء اكانت داخل مؤسسات الدولة او على هامش السوق المضطرب والغير منظم والهارب من اصول التنمية وسلة الضرائب ، حتى باتت القيم المنادى بها في النظام العائلي او الوعض الديني او التربوي والتعليمي مجردة من مضامينها وبات الانسان هنا مهددا بانسانيته ، وبات الظلم سيد الموقف ، وكانت القشة التي حركت الحجرة المرتخية وسقوطها هو تورط الحكومة الجديدة في تشكيلها في بمحاولة لتنظيم الواقع المزري معتقدة بانها تفعل خيرا بازالة التجاوزات ونشاط تجارة المفرد التي كانت اغلب اماكنها الارصفة والجنابر . فانهار الحائط واحتج الشباب العاطل .
وماكو اي مجال للعودة الى الوراء …
حسن مال العمل الان ؟!
البيانات المتتابعة التي تسطر المطالب ، بالتاكيد لا تعبر عن راي الجميع ، برغم موضوعية وواقعية بعض مضامينها ، كونها لا تصدر بتوقيع كل الجماهير الغاضبة . وباعتقادي ان في الافق امكانية لتاخذ مثل هذه البيانات قوة التاثير بين طرفي المعادلة اي نظام الدولة بمؤسساتها الحاكمة والجماهير المنتفضة التي اصبح لها سلطة الشارع . من خلال تنظيم مؤتمر شعبي عام ليكون معادلا موضوعيا امام مؤسسة الحكم التي تستند ببياناتها وتوجيهاتها على القانون الدستوري الذي افرز قوة التحكم في اجهزة الدولة ، ليفرز هو الاخر معادله القانوني الذي زودته به قوة السلطة في الشارع المنتفض ،
نعم هناك مشاكل عدة تواجه هذه الخطوة
لكنها مشاكل يمكن تجاوزها بتنظيم تنسيقيات بمعايير موضوعية وواقعية تعكس حقيقة الحراك الشعبي ببعده المطلبي لا السياسي وبالتالي استقطاب فقهاء القانون والمجتمع المدني والنخب المثقفة وصناع الراي لتنظيم هذا المؤتمر وعقده بعد تحضير دقيق ومتان وبلا ادنى ارتباك او تسرع لانقاذ البلد من هاوية عميقة وواسعة .