بتوجيه امريكي وبرعاية كردية وبتفاهمات مسبقة غير معلنة مع اطراف شيعية وبتفهم منها عُقد مؤتمر اربيل الذي ضم شخصيات سنية من اتجاهات وخلفيات يدور معظمها في فلك كتلة متحدون والحزب الاسلامي او قريبة منهما ومن يتمعن بإسماء الحاضرين والشخصيات التي القت كلمات في المؤتمر المذكور يكتشف ذلك من دون عناء يذكر.
اما لماذا بتوجيه امريكي فالجواب لأن الولايات المتحدة الامريكية تريد من خلال المؤتمر اعادة احياء دورها السياسي الذي تضاءل امام الدور الايراني, وكذلك تغيير الانطباع السلبي الذي بدأ يترسخ في الاذهان عن فشل الامريكان سياسياً في جميع الملفات الاقليمية والدولية التي تعاطوا معها ونجاحهم المرحلي عسكرياً فقط كما حصل في افغانستان بعد اسقاط نظام طالبان, وفي العراق بعد اسقاط نظام صدام, وفي صربيا بعد اسقاط نظام ميلوسوفيدتش في منتصف التسيعينيات, وفي ليبيا بعد اسقاط نظام القذافي واخيراً وليس اخراً تدخلها العسكري والسياسي في الازمة السورية, وهذه الحالات جميعها امثلة تدلل على نجاح امريكا عسكريا وفشلها فيما بعد سياسياً, فضلا عن فشلها قبل هذا وذاك في ايجاد حل سياسي للقضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الاسرائيلي رغم تأثيرها على طرفي النزاع الى حد كبير. ومن هنا فإن هنالك حرصاً امريكيا على تفعيل دورها السياسي المتضائل في العراق, بالاضافة الى ان عقد المؤتمر يأتي ضمن الرؤية الاستراتيجية الامريكية لمستقبل العراق الذي سبق وان طرحته عام 2000 مؤسسة (راند) للدراسات الاستراتيجية والمقربة من البنتاغون تحت عنوان ( رؤية لمستقبل العراق… دراسة في الاحتماليات) حيث تنبأت المؤسسة المذكورة يومها بصعوبة بقاء العراق موحداً حتى عام 2015.
ونستطيع القول ان مؤتمر اربيل للشخصيات السنية هو امتداد لمؤتمر صلاح الدين عام 1992 الذي حضرته قوى المعارضة العراقية الشيعية والكردية وبغياب واضح للسنة بإستثناء وجود اثنين او ثلاث شخصيات سنية كان ابرزها حسن النقيب. في مؤتمر صلاح الدين اقرت الاطراف حينها مبدأ الفيدرالية الذي اصبح البند الحاضر على اجندة جميع مؤتمرات ولقاءات المعارضة العراقية السابقة حتى مؤتمر لندن عام 2002 الذي مهد اعلامياً وسياسياً لاسقاط نظام صدام فيما بعد.
ان مؤتمر اربيل هو محاولة لإستدراك غياب السنة عن مؤتمر صلاح الدين ورفضهم لأطروحة الفيدرالية التي تمخض عنها ذلك المؤتمر , فجاء مؤتمر اربيل 2014وبتوجيه امريكي مباشر ليصحح النظرة السنية لمطلب الفيدرالية والاقاليم وليجعل السنة انفسهم يطالبون بها وهذا المقصود من ان مؤتمر اربيل امتداد لمؤتمر صلاح الدين, وبقبول السنة بالفيدرالية ومطالبتهم بها علانية يكون مشروع جون بايدن الذي دعا فيه الى تقسيم العراق الى ثلاث اقاليم فيدرالية على اساس طائفي وعرقي قد دخل حيز التنفيذ فعلياً على ان يتبع ذلك الانتقال فيما بعد الى النموذج الكونفيدرالي اي حل الدول الثلاث كما يدعو اليه مشروع نائب الرئيس الامريكي جو بايدن وهو الهدف الاستراتيجي الذي يسعى اللوبي الاسرائيلي في الادارة الامريكية الى تحقيقه في العراق ضمن مايعرف بإعادة رسم خارطة الشرق الاوسط الجديد, ومن هنا تأتي مباركة الولايات المتحدة لمؤتمر ِاربيل.
اما فيما يخص الرعاية الكردية للمؤتمر فإنها تأتي منسجمة والمشروع الامريكي في العراق, والذي يتماشى والرغية الكردية في حل الاقاليم ومن بعده الحل الكونفيدرالي , كما ان الاكراد يهدفون من وراء المؤتمر الى ايجاد دعم سني لمحاربة داعش لاسيما في معركة الموصل المرتقبة حيث ربطت القيادة الكردية مشاركتها في المعركة بوجود قوات سنية وعراقية معها حتى لاتفسر المعركة على انها صراع كردي عربي, ولأجل ذلك لابد من استدراج السنة الى معركة الموصل مقابل تحقيق مطالبهم المتمثلة بتشكيل (الحرس الوطني) , وتسليح العشائر السنية, فضلاً عن اقرار الاقليم السني وهو المطلب الرئيسي لكتلة متحدون والحزب الاسلامي وللسياسيي التحشيد الطائفي سواء الذين اعتلوا مناصات الاعتصامات او الذين لعبوا سابقاً دوراً قذراً في تأجيج الصراع الطائفي في العراق في السنوات الماضية حيث لايزال العراقيون يتذكرون صرخات هؤلاء الطائفيين في مؤتمرات اسطنبول والدوحة وعمان عن (بغداد هارون الرشيد والاحتلال الصفوي المجوسي لها) .
اما (التفهم) الشيعي الجزئي فنقصد به (التفاهمات) التي جرت مع طرف او طرفين شيعيين اعضاء في التحالف الوطني حول فكرة المؤتمر وبتدخل طرف كردي تربطه علاقات وشيجه مع احد هذين الطرفين على تسويق فكرة المؤتمر في الوسط الشيعي وهو الامر الذي رفضته اغلب القوى الشيعية بشقيها السياسي المتمثل بالتحالف الوطني وشقها المقاوم والمتمثل بفصائل المقاومة الاسلامية وقوات الحشد الشعبي, وهذا ما قصدنا بالمباركة الجزئية.
ان (تفهم) البعض لهذا المؤتمر تأتي في سياق ما يمكن تسميته بـ(المنهج الإسترضائي) الذي يعتنقه والذي يرى ان استرضاء الاخرين سيكون ضمانة لبقائهم في اطار العراق الموحد, وهو منهج قد يحقق نجاحاً تكتيكياً ومرحلياً ولكن على المدى البعيد والاستراتيجي لايمكن التنبؤ بعواقبه لاسيما مع وجود نزعات انفصالية هنا وهناك, وعدم وجود ضمانات من اطراف مؤتمر اربيل سواء الموجهة له او الراعية له او الحاضرة فيه بالالتزام بوحدة العراق وعدم خلق ازمات جديدة واحترام الدستور, بالرغم من التنازلات المستمرة المقدمة من قبل اطراف في التحالف الوطني للاخرين والذين على ما يبدو ان سياسة الاسترضاء والتنازلات فتحت شهيتهم على طلب المزيد حتى ولو كان ذلك على حساب وحدة العراق وشعبه.