على الرغم من أنّ اسم المؤتمر المزمع عقده يوم غد السبت (28 آب/ أغسطس 2021) في العاصمة العراقيّة بغداد هو (مؤتمر الجوار العراقيّ) إلا أنّ المؤتمر، وكما يبدو من الدعوات المقدّمة للدول المفترض حضورها، سيكون مؤتمرا دوليّا، وقد تمّ تغيير اسمه لاحقاً إلى (مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة)!
والدول المدعوّة للمؤتمر هي تركيا والأردن وقطر والسعوديّة، والإمارات والكويت وإيران، ومصر فضلا عن الولايات المتّحدة وبريطانيّا وفرنسا وغيرها!
فما هي الغاية من هذا المؤتمر، وهل يسعى المؤتمرون لترتيب البيت العراقيّ، أم لتنضيد الأوراق المبعثرة بين بعض دول المؤتمر؟
ثمّ هل يملك العراق (المُرهق) القدرة على لعب هذا الدوري الحيويّ والمحوريّ في السياسة الخارجيّة والعلاقات الدوليّة وتنظيم كافّة الملفّات العالقة في المنطقة؟
وهل ستنجح حكومة مصطفى الكاظمي في إذابة الجليد الصلب في علاقات بعض دول المؤتمر، ولا ندري، مثلا، كيف يمكن الجمع بين السعوديّة وإيران، أو بين واشنطن وطهران في مكان واحد وغيرهم من الأطراف المتناحرة؟
ولا نفهم كيف سيتمّ ترتيب بروتوكول اللقاءات بين الدول المتخاصمة، وهل ستكون بلا مصافحات أو حوارات جانبيّة أو ثنائيّة، أم أنّ المؤتمر سيكون مجرّد فعاليّة سياسيّة لدعم رئيس حكومة بغداد للبقاء في منصبه بعد الانتخابات المقبلة؟
أم أن المؤتمر يهدف لترتيب أوراق العراق لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكيّ المرتقب من بغداد على غرار الحالة الأفغانيّة؟
وبعيداً عن جميع هذه التساؤلات لاحظنا أنّ قضيّة عدم دعوة سوريا للمؤتمر قد أحدثت ربكة دبلوماسيّة عراقيّة حيث ذكرت وسائل إعلام محلّيّة وعربيّة أنّ رئيس هيئة الحشد الشعبيّ، فالح الفياض، التقى برئيس النظام السوريّ، بشار الأسد، قبل أسبوع تقريباً، وسلّمه دعوة لحضور المؤتمر، فيما قال آخرون إنّها رسالة اعتذار من الكاظمي لدمشق لعدم دعوتها للمؤتمر!
وهذا التداخل في المهام يؤكّد الربكة السياسيّة والدبلوماسيّة في العراق، التي تأكّدت عبر بيان وزارة الخارجيّة يوم 16/8/2021 حيث نفت حكومة بغداد دعوتها لدمشق لحضور قمّة دول الجوار، وأنّ” الحكومة العراقيّة تؤكّد أنّها غير معنيّة بهذه الدعوة، وأنّ الدعوات الرسميّة ترسل برسالة رسميّة، ولا يحقّ لأيّ طرف آخر أن يقدّم الدعوة باسمها”!
وبعدها تمّ ترقيع الأمر بالقول إنّ الفياض سلّم رسالة من الكاظمي لرئيس النظام يعتذر له فيها عن عدم دعوته للمؤتمر!
ولم نفهم حتّى الآن كيف أصدرت الخارجيّة هذا البيان، وكيف أنّ الفياض سلّم دعوة للأسد، وأين هي حقيقة هذا الخلل الدبلوماسيّ المتشابك؟
ومع هذه الربكة التنفيذيّة والسياسيّة والإداريّة، نتساءل:
كيف يمكن لبغداد ترتيب هذا المؤتمر الحيويّ وهي التي تعاني من تناقضات وأوضاع غير صحّيّة في الملفّات الأمنيّة والسياسيّة والدبلوماسيّة والتنفيذيّة؟
أمّا الحديث عن إمكانيّة ترتيب استثمارات عربيّة وأجنبيّة في العراق فهذا الكلام ضرب من الخيال لأنّ النقطة الأبرز، وهي الأمن، مفقودة في الشارع العراقيّ، فكيف تتشجّع الشركات العالميّة على إقحام نفسها في مستنقع العراق؟
وتزامناً مع المحاولات الحكوميّة المدعومة، بلا شكّ، من واشنطن لنجاح هذا المؤتمر نجد بعض القوى العراقيّة الفاعلة تحذّر من انهيار النظام السياسيّ العراقيّ مع استمرار سياسة التوافقيّة والتنصّل من المسؤوليّة عن الفشل!
وهذا التحذير جاء على لسان رئيس تحالف “قوى الدولة الوطنيّة” عمار الحكيم في منتصف شهر آب/ أغسطس الحاليّ، الذي أكّد بأنّه” لا يمكن بناء الدولة من دون محاسبة ومعاقبة من يستهدف هيبتها وسيادة قانونها، وأنّ النظام السياسيّ إذا استمرّ في لغته التوافقيّة وتعميم الفشل وعدم تحديد جهة المسؤولية، سينهار حتما”!
ويوم الجمعة الماضي قال أياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق” اعتقد أنّ الديمقراطيّة فشلت، والعمليّة السياسيّة بقضّها وقضيضها أصبحت عمليّة فاشلة”!
ومع هذه التأكيدات الرسميّة الصريحة والقريبة، ومن شركاء الكاظمي أنفسهم بالفشل في بناء الدولة والديمقراطيّة، وكذلك مع التداخل في ترتيب العمل والقرار التنفيذيّ والسياديّ والدبلوماسيّ كيف يمكن لحكومة بغداد ترتيب مثل هذا المؤتمر الحيويّ والحساس؟
زبدة الكلام:
مَنْ يعقد مؤتمرا دوليّا في بغداد عليه أن يحفظ الأمن، ويُنهي ملفّات القوى الإرهابيّة والفاسدة، وينصف الناس، وينظّم الأوضاع القانونيّة لأكثر من خمسة ملايين مواطن هجّروا وظلموا داخل الوطن وخارجه وينشر العدل والبناء!
فمَنْ يمكنه تنقية العراق من هذه الآفات القاتلة وحماية الإنسان؟
dr_jasemj67@