من المزمع ان تحتضن العاصمة العراقية بغداد منتصف شهر تموز-يوليو الجاري مؤتمرا لعدد من القوى والشخصيات السياسية الممثلة للمكون السني.
وبحسب بعض المعنيين بالتحضير للمؤتمر والمشاركين فيه، فأنه يهدف الى بلورة رؤية موحدة وناضجة وواضحة للمكون حول مسارات وافاق العملية السياسية في العراق، لاسيما بعد مرحلة داعش، وما ستواجهه من تحديات وما تفرزه من معطيات.
الحراك لعقد المؤتمر، بدأ فعليا منذ اكثر من شهر، وكان الملاحظ منذ البداية ان هناك عقبات وعراقيل، بل بعبارة أخرى هناك خلافات وتقاطعات حادة بين فرقاء المكون السني، انعكس جزء كبير منها من خلال كم كبير من التصريحات المتناقضة في وسائل الاعلام، وصلت الى حد التسقيط والتخوين.
وكلما اقترب موعد انعقاد المؤتمر تزايدت احتمالات وفرص فشله، ان لم يكن عدم انعقاده بالمرة، ويبدو ان الفارق بين الفشل وعدم الانعقاد يكاد يكون ضئيلا للغاية.
واذا اردنا البحث في خلفيات الأجواء والمناخات السلبية التي أحاطت بالتحضيرات والاستحضارات لمؤتمر بغداد، فأنه لابد من الإشارة والتذكير بأن ممثلي المكون السني عقدوا عشرات اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات في عمّان والقاهرة وإسطنبول وباريس وجنيف وعواصم ومدن أخرى، وفي كل مرة يخرجون وهم مختلفين ومتفرقين ومتقاطعين اكثر مما دخلوا، ويغادرون وهم يتبادلون الانتقادات والسباب والشتائم، وكأنهم لم يأتوا الى طاولة حوار ليتفاهموا ويتوافقوا، بل جاءوا الى ميدان معركة، عليهم ان يستخدموا كل الأسلحة فيها حتى يحققوا الانتصار على غرمائهم وخصومهم!.
والسؤال الجوهري هنا هو.. لماذا هذا الفشل؟.. ولماذا بعد كل لقاء تتسع الهوه، وتتفاقم الخلافات، وتكبر مساحات التسقيط والتشهير والتخوين؟
وتتباين القراءات لتلك الظاهرة، ليفرز ذلك التباين جملة عوامل واسباب، قد يؤيد البعض قسما منها، فيما يذهب البعض الاخر الى تأييد قسم اخر، بيد انه في كل الاحوال لاتخرج تلك القراءات عن دائرة الواقع السياسي القائم.
اول تلك الاسباب والعوامل، هو غياب المرجعيات السياسية والدينية التي تحظى بالمقبولية والتأثير والحضور في فضاء المكون السني، كما هو الحال مع المكون الشيعي، وكذلك المكون الكردي الى حد ما.
وغياب مرجعيات سياسية ودينية من هذا القبيل، يجعل الاجواء والمناخات السياسية متشنجة ومتأزمة على الدوام، ويجعل تأثير وسطوة ونفوذ الاطراف الخارجية اكبر واكثر.
ولعل المتابع لوقائع ومعطيات ما قبل المؤتمر، يقف مذهولا امام حجم التقاطعات والاختلافات بين الفرقاء حول مؤتمر يراد منه صياغة وبلورة رؤية موحدة ومتفق عليها للمكون السني حيال المرحلة المقبلة.
فمن داخل الفضاء السياسي السني، وليس من خارجه، هناك من يقول “أن مؤتمر المصالحة الوطنية مبني على الفشل وأرض هشة، وأنه لا يقود البلد إلى الاستقرار، وان بعض الشخصيات التي تدير هذا الملف عليها علامات استفهام لأنها غير قادرة على نيل الثقة من الآخرين”، وهذا مايقوله النائب طلال الزوبعي.
فيما يؤكد علي حاتم السلمان، الملاحق من قبل القضاء العراقي “أن بعض الأسماء التي ستشارك في هذه المؤتمرات هم تجار دم ومنتفعون ويتاجرون بدماء وكرامة أهل السنه وليس لديهم أي قضية أو مشروع”.
في حين اعلن عراب معظم مؤتمرات واجتماعات المكون السني وممولها خميس الخنجر عدم مشاركته في المؤتمر المرتقب بدعوى، انه “يرفض تبني أو دعم أي اجتماع أو مؤتمر ذي صيغة طائفية”. علما انه متهم بدعم وتمويل جماعات مسلحة ضالعة بارتكاب عمليات ارهابية حصدت ارواح اعداد كبيرة من المدنيين الابرياء.
وتتسع دائرة التسقيط والتخوين لتتجاوز الشخوص الى العناوين السياسية، ويكون الحزب الاسلامي الذي ينتمي اليه رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري، في مرمى سهام النقد والاتهام بالترويج للمشروع الاخواني، والارتباط بأيران، والتنسيق وعقد الصفقات مع رئيس الوزراء حيدر العبادي واطراف شيعية على حساب مصلحة المكون السني.
ومن الاسباب والعوامل الاخرى لارتباك واضطراب المشهد السياسي السني، هو تعدد الولاءات والارتباطات الخارجية، التي تتوزع اساسا بين السعودية وتركيا وقطر والامارات.
وطبيعي ان اولويات وحسابات واجندات كل طرف تختلف عن اولويات وحسابات واجندات الاطراف الاخرى، وهذا مفهوم ومعروف من قبل الجميع، بيد ان اندلاع الازمة الاخيرة بين قطر والسعودية، وانحياز بقية الاطراف الاقليمية اما للدوحة او للرياض، زاد من حدة الاستقطابات والتناحرات داخل المكون السني، وبالتالي انعكس على اجواء التحضيرات والاستعدادات لمؤتمر بغداد، وقلل فرص نجاحه، في حال انعقد كما هو مخطط له في موعده المقرر.
ومايعقد الامور ايضا، لاسيما وان الملتقى هذه المرة في بغداد، وليس في اسطنبول او عمّان او باريس او جنيف، هو ان هناك شخصيات مقرر لها ان تحضر، بينما هي مدانة من قبل القضاء العراقي وصادرة بحقها احكام بالسجن، او اوامر القاء قبض، ناهيك عن ان جلوس شخصيات سياسية سنية حول طاولة واحدة، او التائمها تحت سقف واحد، لن يمر دون مشاكل، لان المواجهات والصدامات المباشرة ستفضي الى المزيد من الاحتقانات والخلافات، لا الى تذويبها وتقليصها واحتوائها.
وقد تكون الصورة اكثر وضوحا اذا ما عرفنا ان المعارضين لمؤتمر بغداد، بصرف النظر عن دواعي واسباب ومبررات معارضتهم، الملتئمين تحت عنوان (موسوعة العشائر العراقية)،اعلنوا عن نيتهم عقد ما اسموه بـ”مؤتمر بغداد الوطني” في نفس يوم انعقاد المؤتمر الاول. واكدوا انه “سيتم توقيع وثيقة مهمة، وأيضاً رسالة موجهة لكل دول الجوار والعالم، والدعوة ستكون لكل رموز الـعـراق الوطنية, ولسادة وشيوخ رؤساء القبائل والعشائر العراقية، فضلاً عن إرسال دعوات للرئاسات الثلاث ولممثل الأمم المتحدة ولبعض السفارات العاملة في الـعـراق بحضور العديد من القنوات الفضائية العربية والأجنبية”.
وطبيعي ان مثل هذه الاجواء تؤشر الى ان مأزق المكون السني الذي ساهمت بأيجاده وتكريسه، على مدى اعوام، اطراف اقليمية ودولية، وبأدوات داخلية، ذاهب الى المزيد من التعقيد والاضطراب والارتباك، وربما ستلقي الازمة القطرية-السعودية بظلالها على المؤتمر، وان كان ذلك خلف الكواليس، وستفطح على السطح الى جانب الخلافات والتقاطعات العميقة بين الفرقاء ، الهواجس المرتبطة بمرحلة ما بعد داعش، بعد ان يكون الحشد الشعبي قد ساهم بفاعلية بتحرير مدن ومناطق المكون السني من الارهاب الداعشي، وفرض واقعا جديدا لايمكن تجاهله او القفز عليه.