19 ديسمبر، 2024 12:52 ص

مؤتمر الكويت وخيبات الامل عراقية الكويت وكويتية العراق

مؤتمر الكويت وخيبات الامل عراقية الكويت وكويتية العراق

عقد مؤتمر الدول المانحة لااعادة اعمار المدن العراقية التى دمرت فى الحرب ضد عصابة الجريمة والارهاب داعش فى دولة الكويت”العربى الشقيق” فى الفترة 12 -14 شباط 2018 والذى حضرتة الدول الكبرى والدول الاقليمية وعدد من مؤسسات ومنظمات المجتمع, وكانت الحكومة المركزية تتوقع وتامل, كـ “العادة”خلافا للواقع ومبادىء السياسة والعلاقات الدولية. بهبات ومنح واستثمارات كبيرة, ان السؤال يفرض نفسه عن اسباب هذه الحسابات والتوقعات الخاطئة دائما والى اى مدى زمنى وستراتيجى يمكن ان تستمر؟. من ناحية اخرى ان ما يدعوا للوقوف لحظات حول اسباب وضرورة عقد المؤتمر فى الكويت, الم يكن العراق الدولة المعنية التى يمكن ان تقدم الشواهد على الدمار الشامل وبشكل عملى ومباشر!! ثم ولماذا كانت الكويت عنصرا فاعلا فى الاعداد والتنفيذ والاعلام, الم يكن هناك بديلا اخريتمتع بموضوعية وغير مثقل بتجارب واحكام مسبقة, ام ان الكويت ليس عربيا وليس بدويا فى تركيبته السكانية ولا ينطبق عليها المقولة الشهيرة “العربى لاينسى الثأر؟.
لقد كان المؤتمر فرصة ذهبية للكويت ان تظهر بشخصية الجار الحريص المعنى باوضاع الاخ العربى الذى يعيش اوضاع مزرية وتمد يدها “النزيهة” للعون.
كان المؤتمر فى واقع الامر مؤتمرا للكويت وليس للعراق.ان الكويت توجه للعراق صفعات متتالية بسداد الديون التى لا يعلم الا الله متى تنتهى وما حجمها, بالرغم من ما تم تسديده, واعلن قبل يومين من العراق سوف يستمر بدفع الديون الى سنة 2020. ان المتتبع للعلاقة الكويتية العراقية يتأكد من اطماع الكويت فى العراق, فاذا كان العراق يطالب بـ “الكويت كأراضى عراقية” منذ العهد الملكى والمرحوم عبد الكريم قاسم والمرحوم صدام حسين, فان الكويت سوف يطالب لاحقا, وربما قريبا جدا, بـ “كويتية العراق”, ان ما اقوله ليس فنتازية سياسية وانما تتطور منطقى لوقائع واحداث قد حصلت فعلا منذ دحر الجيش العراقى من الكويت وقد استمرت التنازلات المتتالية مع دولة ورواد المحاصصة, خاصة وان الاوضاع فى العراق غير مستقرة وان النخب الحاكمة حاليا والى سنين لاحقة ستبقى ضعيفة متناقضة ولا تمتلك القرار الوطنى. ان ما افرزه المؤتمر ان الحكومة مستعدة لتقديم تنازلات مقابل تقديم قروض للعراق, وكما يبدو فان التنازل عن ثلاثة حقول نفطية كبرى وعدد من الابارالنفطية اصبح فى مرحلة النقاش الجدية. ان الكويت غير مستعد ابدا ان تفتح صفحة جديدة مع عراق ما بعد البعث وصدام حسين, فقد تجددت الدعوة حول مصير الكويتيين فى العراق منذ عام 1991 شرطا مبدئيا لتنظيم العلاقة مع العراق, على الرغم من كل المحاولات التى قامت بها لجان اممية متخصصة ولم تصل الى نتيجة مقنعة, كما ان قرارات ترسيم الحدود كانت تجاوزا فاضحا على اراضى عراقية, ومن الفضائح الكبيرة التنازل عن قاعدة ام قصرالبحرية وكذلك قرية ام قصر, هذا بالاضافة الى ترسيم الحدود البحرية, التى لم يشملها القرار الاممى , والتنازل عن قناة خور عبدالله. ان هذه تنازلات لامبرر لها ولكن قرار السياسين الذين لايملكوا مشروعا وطنيا والقرار الحقيقى ليس فى ايديهم, مستعدون ان يتنازلوا على كل شى مقابل ثمن مجزى, وقد استلمواالثمن ايضا.
بعد هزيمة تنظيم الارهاب داعش اكتشفنا ابعاد الخراب والتدمير الذى حل بالمدن العراقية بعد ثلاثة سنين من الاحتلال والارهاب الذى مارسته الجريمة المنظمة. ان الحرب الذى كانت تكاليفها المادية بالمليارات الكثيرة وتضحيات الشباب والقوات المسلحة من الجيش والشرطة الاتحادية وتشكيلات الحشد الشعبى, بالاضافة الى قوى الحلف الذى تقوده امريكا. لقد قدم العراق اغلى شبابه للقضاء على الارهاب الذى طوره ومده بالسلاح والمال والخبرة ودول كبرى ودول عربيه, وهذه ملزمة اخلاقيا بالوقوف مع العراق فى اوضاعة الراهنة وقد حارب الارهاب عوضا عنهم.
ان الحكومة العراقية المثقلة بديون هائلة لمختلف المؤسسات المالية العالمية والتى تبلغ 126 مليار دولار والميل التنازلى لاسعار النفط يحدد امكانية الحكومة فى رصد اموال ملياردرية لاعادة واعمار المدن المحرره, خاصة وان الحرب ضد داعش قد استنزفت القدرات المالية للحكومة بشكل كبير.
لقد فتحت الحكومة املا للنازيحين الذين هربوا من بيوتهم ومدنهم ويتطلعون فى الرجوع اليها وممارسة حياة فى سلم وامان, ولكن فى اى بيوت سوف يعيشون وماهى نوعية البنى التحتية التى سوف توفر لهم اوليات الحياة, علما بان هذه الامال والتطلعات يجب ان تجد طريقه للتنفيذ سريعا, ولذلك فان اقتراح مؤتمر المانحيين سوف يوفر مبالغ طائلة من منح وهيبات تقدمها بعض الدول بالاضافة الى امكانية الاستثمار فى العراق من قبل الشركات المتعددة الجنسية, انها سياسة الوعود والامال التى لاتتحقق والتى سوف تقود الى كوارث اجتماعية واقتصادية. كانت تقديرات الحكومة المركزية الحصول على 88 مليار دولار, الا ان المؤتمر لم يجمع سوى 30 مليار دولار, كانت المنح والهبات حوالى 1,8 مليار دولار فقط والباقى جاء بشكل ديون وقروض واستعدادات اولية للاستثمار فى العراق. الا ان الاشكالية هنا فى حجم القروض والاستثمارات التى ترتبط بتعهدات من الحكومة المركزية, بمعنى تعهدات سيادية, وهذه لا تقتصر على مخزون النفطا فى الارض, الذى سيكون مرهون لسنين طويلة لدى الشركات المستثمرة, هذاالخزين الذى سوف يصبح بنسبة كبيرة سلطة الشركات العاملة وانا ايضا جميع ممتلكات الدولة العراقية, التى يمكن ان تعلن فى المزادات العلمية اذا فكر المستثمر بجنى ارباحه سريعا. اما عن الامل بالاستثمارات الاجنبية, فأن العراق, حتى بعد هزيمة داعش, لايقدم ييئه استثمارية مشجعة. ليس فقط للبيروقراطية المتخلفة والاضطراب الامنى, وانما لعدم الثقة باصحاب القرار فى الدولة, وتفشى الفساد المالى والادارى فى جميع مفاصل الدولة, وبشكل خاص فى الرئاسات الثلاثة التى تبتلع حوالى 20% من الميزانية العامة. كما ان الحكومات والشركات التى ابدت استعدادها للاستثمارعلى دراية كبيرة بخلفية ونوعية وتاريخ اصحاب القرار فى العراق الذين لايمكن الثقة بهم والائتمان اليهم, ماليا وسياسيا, اذ ان الولاء المزدوج فى السياسية والسلوك لايمكن الاعتماد عليه مطلقا ويرفض بشكل قاطع من جميع القوى الفاعلة التى لها مصالح ستراتيجية فى العراق. ان دولا عديدة جارة للعراق وفى قارات اخرى تقدم بيئة صالحة ومشجعة اكثر للاستثمار من العراق. اذا كانت الحكومة حريصة على مستقبل العراق,يجب عليها ان تبتعد عن هذه الافكار الخايبة والمضرة.
لازال النفوذ الايرانى فى العراق متمثلا بجبهة وتيار واسع ومؤثر لا يخفى ولائه لايران. لاعجب ان تكون حصيلة المؤتمر بهذا البؤس بعدما وضعت الحكومة امالا كبيرة على المردودات المفترضة من الحشد الضخم المشارك فى المؤتمر من قبل الحكومات والشركات المتعددة الجنسية ومنظمات المجتمع المدنى.
ان حجم المنح المعلن عنها 1,8 مليار دولار يمكن ان تكون بداية مشجعة للشروع بتوفير سكن وبنية تحتية فى بعض المدن المنكوبة وتدوير عجلة الاقتصاد وخلق فرص جديدة لتشغيل الالاف من الايدى العاملة المعطلة. الا ان هذا الانجاز لايمكن ان يحصل الا حينما تتوفر الارادة الصادقة والايدى النظيفة الحريصة على العراق وشعبه. ان الشعب لا يتوقع من الحكومة ان تعيد البناء والخدمات فى سنة او سنتين, انه مشروع ذو تكاليف باهضة ويلزم قبل كل شىء وضع خطط وتصورات حول الاولويات وتحديد الشركات والمؤسسات المنفذة, هنا يطرح السؤال نفسه هل تتوفر فى اجهزة الدولة بمختلف تخصصاتها وصلاحياتها ان تتبنى المسؤليات دون ان تكون جزءا كاملا مستقلا ومكملا للفساد المالى والادارى المستشرى فى اجهزة الدولة ؟ فى الحقيقة فان الجواب بنعم لايمكن ان يكون الا استمرارا للفساد والسرقات, حتى ان هذه الكوادر قد طورت وابتكرت طرق واساليب فى الحصول على نسبة الفائدة وحجم العمولات وبالنتيجة فان المشاريع قد تحولت لفائدتها وثرائها. اننا لانتجنى على اجهزة الدولة ورؤسائها ونتهمهم جزافا, وانما الامثلة شاخصة ماثلة عن اعداد كبيرة من المشاريع التى صرفت الاموال المرصودة لها دون ان ينجز 10% من حجم المقاولة, بالاضافة الى مشاريع ستراتيجية كبرى قد تم التعاقد مع شركات وهمية, وليس هذا فحسب, وانما “الحكومات المحلية” المجسدة بمافيات القمار والدعارة وفرض الاتاوات على محلات تجارية وانتاجية وحتى على “البسطات” فى شوارع واسواق بغداد, بالاضافة الى عصابات التسول والتجارة بالبشر والاختطافات التى اصبحت من مفردات الحياة اليومية فى العراق, وليس اخيرا, اذا كانت الحكومة جادةفى عملية الاصلاح, لماذا لايتوقف بيع البنك المركزى للدولار الذى اصبح الوسيلة النافذة لتهريب العملة وتخريب الاقتصاد العراقى , ان الجميع يعلم بعائدية البنلوك وشركات الصيرفة ودور تماسيح السلطة فيها.
ان الاصلاح والبناء واعادة البناء يبدأ قبل كل شىء بالاوليات والشروط اللازمة المشجعة على العمل والاخلاص للوطن والشعب, وينطلق وينجح بمحاربة الفساد المالى والادارى وتطوير اجهزة الدولة بالكفاءات والمتخصصين واعتماد مبدأ الاقارب والحزبين على ” جهلهم وجهالتهم” والتاكيد المحاصصة والاقارب وابناء المذهب. ماهى فائدة المليارات التى سوف تمنح وما هى مردوداتها الاجتماعية والاقتصادية اذا كان الموظف مرتشى وجاهل وعديم الكفاءة والقدرة على العمل ولا يفكر الا فى اطماعة ومصلحته الشخصية. انها ستكون كما حصل لخزينة الدولة منذ 2013 .
لقد خصصت الحكومة المركزية مبالغ كبيرة لمساعدة وايواء الذين هجروا مدنهم وبيوتهم, وكلفت هذه المهمة احد فرسان المحاصصة والطائفية, وجاءت النتيجة كما هو معتاد وممنهج, لقد تبخرت وطارت دون ان يكون لها اثر يذكر.هذا البطل سيكون نائبا فى البرلمان الجديد ويمكن ان يصبح وزيرا او نائبا لرئيس الجمهورية. اين الخطأ؟ ان الصحافة والمؤسسات العلمية الرصينة اطلقت المقولة “فى العراق كل شىء ممكن ومحتمل”