سيحضر الرئيس الامريكي اثناء زيارته الى السعودية؛ مؤتمر الجدة الذي سيعقد ليومي 15و16من الشهر الجاري، والذي يحضره أو يحضر فيه؛ المسؤولون في دول الخليج العربي والعراق والاردن ومصر. ان هذا المؤتمر وهذه الزيارة للرئيس الامريكي الى كل من اسرائيل وفلسطين ليس من اجل زيادة صادرات النفط السعودي والاماراتي وبقية دول الخليج العربي فقط، بل ان الاهم هو ما سوف تتم فيه، اي في هذا المؤتمر من اتفاقات تضمها ملفات يتم القفل عليها، لتظل مفاتيحها في جعبة امريكا والسعودية واسرائيل، لا يجري فتحها الا ساعة تدق الحقيقة ويبدأ التنفيذ، لذا، فأنها سوف تكون طي الكتمان ولا يمكن ان يطلع عليها احدا، وهي الاخطر على حاضر دول المنطقة العربية ومستقبل اجيالها وايضا وهذا هو من الاهمية بمكان على مستقبل فلسطين وحلم الفلسطينيين بدول مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة. اي العودة الى احياء صفقة القرن بوسيلة وطريقة جديدتان، تلك الصفقة التي ماتت تماما بفعل التصدي الفلسطيني لها واعني هنا تحديدا المقاومة الفلسطينية سواء من حركة فتح او من منظمات المقاومة الفلسطينية الاخرى والتي لها فعلا جهاديا ونضاليا حاسما على اراض الواقع، أو بمعنى اخر هو تمييع لقضية الحق الفلسطيني في الحياة والكرامة عن طريقة ممارسة لعبة الزمن كما كان وقد حدث في اتفاقات اوسلو سيئة التخطيط والاهداف من الجانب الامريكي الاسرائيلي.. من المحتمل جدا ان يتم الاتفاق بين امريكا ودول المنطقة وبالذات او تحديدا السعودية على زيادة صادرات النفط للمساهمة في خفض الاسعار، وبالتالي التأثير على كل من روسيا وايران، إنما هي سوف تكون زيادة غير حاسمة وغير جدية، اي انها لن تساهم في خفض اسعار النفط في الاسواق العالمية، بحجة وكما يقول خبراء هذا الشأن؛ بأن السعودية ليس في قدرتها وامكاناتها زيادة كبيرة في الانتاج في الوقت الحاضر. لكن هذا الموقف السعودي من المحتمل ان لا يؤثر على الشراكة الامريكية السعودية، ولا يلقي بظلاله على مجريات ما سوف يجري في مؤتمر جدة، فهذا المؤتمر له سياقات وخطط مختلفة عن السعي الامريكي على خفض اسعار النفط في البورصة العالمية بعون من الشريك السعودي لأمريكا. بصرف النظر عن ما يقال بخلاف هذا، اي تضرر العلاقة بين الدولتين بفعل الموقف السعودي هذا ان حدث؛ ربما يكتنفها البرود في ظل الرئيس الامريكي الحالي، لكنها لن تصل او ان تبلغ مستوى الضرر. أن العلاقة الامريكية السعودية تستند على رؤية مؤسساتية؛ اعمدتها المصالح الانية او المصالح التكتيكية ومصالح بعيدة الاجل على قاعدة زمنية عمرها اكثر من 80 عاما، وهي عابرة لرؤيا الحزبين الديمقراطي والجمهوري وان تباعدت وتقاربت جراء التوجهات السياسية من يحكم في البيت الابيض، إنما المسار يظل ثابتا ومتجذرا ومستقرا لناحية المسار المؤسساتي. ان العلاقة الامريكية السعودية؛ سوف تلعب دورا كبيرا في هذا الاتفاق ان تم التوافق والاتفاق عليه، وفي صياغة فقراته التنفيذية، اي العمل بها لاحقا بعد زمن مستقبلي غير بعيد من الآن. ان هذا الاتفاق، او هي لجهة الواقع الموضوعي؛ عدة اتفاقات بمسارات مختلفة ومتضافرة ومتوازية زمنيا ومكانيا؛ ربما يتم الاتفاق عليها بين دول المؤتمر وتحديدا امريكا والسعودية والامارات واسرائيل الظل. أما بقية الدول فهي اما دول الدور، الاردن مثلا ، أما البقية الباقية من الدول التي سوف تشارك في هذا المؤتمر سيء الصيت والنوايا والاهداف، ماهي الا دول فاقدة للقرار السياسي المستقل وللسيادة ايضا؛ بفعل ماهي عليه من اوضاع لا تساعدها من ان تكون، أو يكون لها موقفا واضحا، بل انها سوف ترفع اليد بالموافقة والتأييد لما سوف يتم الاتفاق عليه في هذا المؤتمر الذي ستعلب فيه، او في مخرجاتها دول بعينها وهي امريكا والسعودية والامارات ومصر واسرائيل الظل، او اسرائيل العميقة؛ لجهة الاتفاقات الاستراتيجية الخفية. ان هذه الاتفاقات ذات الابعاد الاستراتيجية؛ سوف تظل كما اسلفت القول فيه قبل سطور قليلة؛ طي الكتمان التام، ولا يمكن ان تعرض للأضواء الكاشفة مهما كان الوضع وتحت اي صورة من الصور. هذه الاتفاقات سوف تكون هي الاهم والاخطر من جميع ما سبق وما سوف يأتي في زمن محدود مستقلا، والذي سوف يتم نسف ما سيعلن كغطاء للمخطط السري هذا، غطاء مهلهل كما الغربال في مواجهة شمس الحقيقة؛ من قبيل العمل على ضمان الامن والسلام والاستقرار للمنطقة العربية ولجوارها. يتم تفجير الاوضاع، بعد زمن ما؛ من داخل حركة هذه الطروحات المعلنة، او التي سيعلن عنها المؤتمر؛ بمداخيل ومفاعيل الخطط الخفية، والتي سترى النور حين يتم انضاج ظروف تحريكها في العراق وفي لبنان وفي سوريا وفي اليمن وفي ايران والاخيرة من خلال ادوات من داخل ايران، بمعاونة الضغط الاقتصادي عندما تفشل مفاوضات اعادة العمل بالصفقة النووية بين ايران والدول الكبرى. مع ان كاتب هذه السطور المتواضعة؛ يعتقد ان فشل مفاوضات الصفقة النووية بين ايران وامريكا امرا بعيد الاحتمال؛ لسببين حاجة ايران له وايضا حاجة امريكا له؛ وهذا الامر قد كتبت عدة مقالات حوله ولا اعتقد ان هناك حاجة لإعادة كتابة ما كتبته. إنما من المهم الاشارة هنا ولو سريعا؛ هو ان القيادة الايرانية معروفة بالبرغماتية والقدرة الكبيرة على المساومة والمناورة عندما تقرأ التحولات في المنطقة وفي جوارها على حقيقته التي سوف تفرضها الاتفاقات السرية، او الاتفاقات التي تحاط بالسرية التامة، ولا يتم كشفها الا ساعة البدء بها على ارض الواقع. أن مجسات النظام الايراني؛ سوف تسمع دقات اجراس الخطورة، تخمينا وافتراضا من غير ان تسمعها بوضوح، لكنها سوف تكون كافية لجعلها تستشعر الخطورة المستقبلية ولو بعد حين ليس بعيدا جدا من الآن. ايران اعلنت على لسان احد مسؤوليها من انها سوف تهاجم اي محاولة لتهديد امنها القومي. ان الجانب المهم في الاستراتيجية الامريكية الاسرائيلية؛ هو الاتفاق او اعادة برمجة الشراكة الاستراتيجية مع السعودية في الذي يخص طريقة التعامل مع ايران وبقية ملفات المنطقة بما في هذا؛ طريقة العلاقة المستقبلية مع اسرائيل كلاعب محوري في هذه الاستراتيجية التي ستتستر وراء استار البيان البراق الذي سيصدر عن المؤتمر. ان هذه الاستراتيجية لا تعني بالمطلق، باي صورة من الصور او باي طريقة من الطرق؛ مهاجمة ايران عسكريا لا من امريكا ولا من اسرائيل، لا الآن ولا في المستقبل. اعتقد ان الذي سوف يجري العمل عليه حتى في حالة اعادة العمل بالصفقة النووية بين ايران والقوى الكبرى؛ هو محاصرة ايران من جميع الجوانب حتى وان رفعت العقوبات عنها؛ بما يقود الى خلخلة الوضع الداخلي في ايران. لكن هنا يظهر لنا السؤال المهم كيف السبيل الى هذا وبالذات عندما ترفع العقوبات عنها حين تتم عودتها الى الصفقة النووية؟ ليس من السهولة الاجابة على السؤال في الوقت الحاضر وفي ظل تدافع الاحداث والتحولات والتطورات في المنطقة العربية وفي جوارها وفي العالم ايضا. إنما في المقابل وعند قراءة المشهد السياسي في المنطقة العربية وفي جوارها وايضا في العالم؛ يفضي بنا الى التالي: ان امريكا وبقية دول المنطقة وبالذات السعودية والامارات، أو حصريا السعودية والامارات وحتى اسرائيل؛ سوف تعمل هذه الدول وبمساعدة امريكا واسرائيل والاخيرة كرأس حربة في هذه السياسة؛ على خلخلت الاوضاع الداخلية في ايران حتى في ظل ابرام الصفقة النووية بين ايران والقوى الدولية الكبرى. هذا من جانب اما من الجانب الثاني فأمريكا واسرائيل سوف تعملان على تقليص وجودها( ايران) في دول المنطقة العربية وعلى جهة التحديد في العراق بدرجة كبيرة وبأبعاد استراتيجية، اضافة الى لبنان واليمن وسوريا، والدول الثلاث بنتيجة ما سوف يجري في العراق. ايران لها ما لها وعليها ما عليها، لكنها بمقارنة مع خطط امريكا واسرائيل، ليست عدو بالمعنى الاستراتيجي كما انها تظل وفي جميع الاحوال؛ دولة من العالم الثالث، قدراتها محدودة، كما انها، ليس في مقدورها تأسيس وضع طويل الاجل يخدم مصالحها على حساب مصالح العرب. ان ايران من الممكن جدا ان تكون عونا للدول العربية، ان اجادت الانظمة العربية طريقة التعامل مع شعوبهم لجهة الحرية وفي جميع المجالات اولا واجادوا طريقة التعامل مع ايران. أما اذا نظرنا الى الاستراتيجية الامريكية الاسرائيلية في التعامل مع العرب فهو تعامل على حساب مصالح الشعوب العربية حاضرا ومستقبلا. بمعنى اخر اكثر وضوحا؛ هو ان بناء الشراكة الاستراتيجية مع امريكا ومن خلفها اسرائيل؛ هو جعل اسرائيل دولة طبيعية ودولة محورية في قضايا المنطقة العربية، بما يقود حكما وكنتيجة الى تمييع الحق الفلسطيني في دولة مستقلة على اقل من 18%من اراضي فلسطين. هناك سؤال اخر وهو الاكثر اهمية وخطورة: كيف يكون سلوك القوى العالمية العظمى واقصد هنا روسيا والصين في ظل صراع المغانم والشراكات في المنطقة العربية وفي جوارها؟ ايران وفي ظل التحول الاستراتيجي الحاسم في المنطقة العربية وفي جوارها وفي العالم بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وبروز الاهمية الاستراتيجية للمنطقة العربية ولجوارها في صراع القوى العظمى؛ من الصعوبة جدا محاصرتها وعزلها؛ لأن هناك قوى عظمى وبدافع مصالحها؛ سوف تفتح اكثر واكثر، جميع افاق التعاون معها اي مع ايران؛ مما يعني ربما حكما فشل المخطط المكتوم في مواجهة ايران على الاقل في الامد المنظور وحتى الى درجة ما الامد المتوسط. عليه فان على الانظمة العربية وعلى التحديد الحصري؛ السعودية ان لا تنجر وراء المخطط الامريكي الاسرائيلي في مواجهة ايران، بل العمل على ايجاد طريقا حقيقيا اخر في التعامل معها. ان الانجرار خلف امريكا واسرائيل سواء اسرائيل الرسمية او اسرائيل الظل؛ هي لعبة خاسرة للشعوب العربية وفي المقدمة هذه الشعوب هو الشعب العربي الفلسطيني على الاجل الطويل، وجميع الاوطان العربية. لا سامح الله ان نجحت امريكا واسرائيل في مخططها الاستعماري هذا؛ فسوف يكون الموقع الاستراتيجي للوطن العربي، والثروات المعدنية وغيرها، والكثافة السكانية في خدمة اسرائيل وامريكا، وبالذات اسرائيل التي ستتحول الى قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية وتجارية وصناعية بشقيها المدني والعسكري، مؤثرة في الاقليم، وفي علاقتها مع القوى العظمى العالمية وليس مع امريكا فقط.