” البحر اجمل مايكون …لولا شعوري بالضياع ..لولا هروبي من جفا مدينتي الظمأى وخوفي ان أموت عريان في الاعماق او في بطن حوت ..اني احاذر أن أموت “…….هكذا خاطب المطرب الخليجي الراحل (شادي الخليج ) البحر الذي كان يبتلع الغواصين الخليجيين في سنوات ماقبل اكتشاف النفط حين كانوا يغوصون للبحث عن اللؤلؤ غيرعابئين بمصيرهم المجهول …فالبحر الجميل الذي يمثل مصدر رزقهم كان يلفظ جثثهم احيانا على شواطئه او يطعمها لاسماكه ..ومرت سنوات الفقر والبحث عن اللؤلؤ وحلت سنوات النفط والرخاء وماعاد المواطن الخليجي يغوص في البحر طلبا للرزق بل يبحر فيه مسافرا في بواخر ضخمة او يقيم احتفالاته في يخوت فاخرة وفي ابسط الاحتمالات يمارس فيه الشباب هواياتهم الجديدة المستوردة كالتزلج على الماء ..
اليوم ، صار البحر الجميل بالنسبة لنا وحشا يلتهم ابناءنا واطفالنا ويلقي بجثثهم على شواطئه فشعورهم بالضياع قادهم اليه كمهاجرين وقرروا ان يخوضوا في مياهه في مغامرات غير محسوبة غير عابئين بمصيرهم المجهول ..واذا كان ظهور النفط في الخليج قد انقذ ابنائه من الموت في البحار ومنح حكوماته فرصة انتشال شعوبهم من الفقر والتحليق بهم في سماء الرخاء والتطور والتكنولوجيا ، فالأمر مختلف بالنسبة لنا فنحن نمتلك النفط وثروات اخرى عديدة لكن حكوماتنا منحت نفسها فقط فرصة الاستفادة من ثرواتنا ومهدت الطريق لتسربها الى الخارج أما المواطن العراقي فقد بدا يهبط ويهبط حتى وصل الى ماتحت خط الفقر …” والفقر في الوطن غربة ” كما يقول الامام علي (ع) لذا صار البحر منقذهم الاخير وبلاد الصقيع الباردة ملاذهم الآمن ..يبحثون فيها عن احلام جديدة بعد ان اغتال السياسيون احلامهم وبددوا شعورهم بالأمان ..
رغم ان ناطقه الاعلامي نفى تصريحه الذي يقول بأن المستشارة الالمانية انجيلا ميركل تعمل على سرقة الطاقات الشبابية العراقية بمساعدتها اللاجئين ، فأن وزير الخارجية ابراهيم الجعفري لم يكن الوحيد الذي فكر
بطريقة نظرية المؤامرة في تفسيره لظاهرة اقبال العراقيين غير المسبوق على الهجرة بل ظهرت النائبة عن دولة القانون عالية نصيف لتعلن ان هناك اجندات خارجية تقف وراء هجرة الشباب الى الخارج ..انها تؤكد وجود مؤامرة خارجية على العراقيين متناسية ان اهمال الحكومات العراقية المتعاقبة لابنائها هي المؤامرة الحقيقية وان غياب اليد الحانية التي تنتشلهم من الفقر والبطالة وخطر داعش هو الخطر الحقيقي وليس محاولات ميركل لانقاذ المهاجرين بعد ان تناثرت جثث اطفالهم على شواطيء الغرب وسفحت كرامتهم على ايدي الشرطة المقدونية ..
اذا لم تكن الحكومة العراقية قادرة حتى هذه اللحظة على انتشال العراقيين من معاناتهم كما فعلت الحكومات الخليجية فسيظل البحر منقذهم وبلاد الغربة ملاذهم …وتستمر المؤامرة ..