لا يختلف إثنان على إن نظام الحكم في سوريا هو نظام شمولي إستبداديً قمعي مخابراتي. لا يعترف بالرأي الآخر, ولا بالحقوق الدستورية للشعب. ولم يكن يوما دستورياً بالمعنى المتعارف عليه للدستورية المبنية على الأسس الديموقراطية ومبادئ حقوق الأنسان. إستغل هذا النظام مسألة فلسطين ومأساة شعبها وتداعيات نكبة العرب فيها شعاراً و ستاراً يُخفي وراءه دكتاتوريته وهميمنته على مقاليد الحكم والتلاعب بمصير الشعب السوري الصابر.ولم يتعض هذا النظام بما حل في دول العالم وإنتفاضات الشعوب على كل أشكال الحكم الشمولي وحكم الحزب الواحد..فضلَّ سادراً في الغي. وقد عَصِب عينيه وأغلق فكره. ولم يستمع لرأي العقلاء والحكماء, الذين يريدون لسوريا الخير, سواء كانوا من داخل سوريا أو من خارجها ,من العرب والآخرين الذين لا يريدون أن تُرمى سوريا وشعبها في أتون نار خطط وسعى إليها شمعون بيرز وغيره ,من دهاقنة الصهيونية العالمية , من أعداء الشعوب العربية والأسلامية. وما موضوع الشرق الأوسط الجديد الذي طرحه شمعون بيرز في تسعينيات القرن الماضي ألا أحد مخططات التدمير للعرب وبلدانهم, والذي يتضمن أن بنفط السعودية + العمالة المصرية +المياه التركية+ العقلية الأسرائيلية سيبني شرق أوسط جديد. هذا كان عنوان المشروع, وباطنه تقسيم البلدان العربية, وزرع الفتنة الطائفية أو العرقية فيها. لتسهيل التقسيم والتفتيت لأضعاف الأمة و جعل بلداننا سوقاً للبضائع والمنتجات الأسرائيلية, وإمتصاص ثروات شعوبنا وقواها العاملة لخدمة المصالح الصهيونية الأسرائيلية .ولقد دعم الغرب وفي طليعته الولايات المتحدة الأمريكية هذه الفكرة وهذا المشروع, برفده بفكرة الفوضى الخلاقة وتنفيذها على الأرض.
فبُذرت البذرة في العراق. وهذا هو حاله دولةٌ بدولتين واقعاً.ولكن بعنوان الفدرالية والأقاليم.فلم يكن إقليم كوردستان بمفهوم وواقع فدرالي, بل هو دولة داخل دولة. وهي إن لم تكن مستقلة بالعلن فهي تتصرف وكأنها دولة أكثر إستقلالاً من دولة العراق الأتحادية لا بل تهيمن عليها . وليبيا طرح بقوة فيها مشروع إقليم بنغازي. وسرت النار الى تونس, وما مقتل المناضل بلعيد إلا جزءاً منها, حيث أشار هذا الشهيد الى الأعداد الهائلة من المقاتلين الذين يُدربون في تونس .ويُرسلون الى سوريا لأشعال الفتنة.ومصر على الطريق فعصيان بور سعيد شاهد, واليمن مستقبل وحدتها بات في مهب الريح , فالجنوب أعلنها صراحة وبقوة إنه يريد الإنفصال, والحبل على الجرار.ونار هذا المخطط تسري وتهدد لبنان والسعودية والبحرين.
سنتان مرت على الأحداث الدامية في سوريا الشقيقة .وشعبها يُقتل ويُشرد في المنافي وجوع وترمل وتيتم وحرق وتدمير وتشرذم . نار تغذيها أطراف دولية وإقليمية .نارٌ يوقدها وينفخ فيها ,ودول تضخ أموالاً خيالية لتصعد أوارها وتُسَعِرلهيبها. ولا حلَّ في الأفق ينقذ هذا الشعب من هذه التهلكة والضياع .فلاحكام يستمعون لرأي العقل ويتحولون من الحل الأمني والمعالجة العسكرية, ويتخلون عن الحل العسكري الأمني.فيؤمنوا بحق الشعب بالتغيير وتقرير المصير. ولا معارضة تحسن التصرف وتدرك عواقب الأمور وتبتعد عن الحل العسكري وتنأى بنفسها وبالشعب السوري عن نار الحقد والهوس الطائفي الذي تؤججه دول الخليج السائرة بركاب من يعادي سوريا والعرب والإسلام فتجنح للسلم والحوار والتفاوض بعقلانية وبدون شروط من الطرفين وفق أسس منطقية وبإشراف دولي ومرجعية دولية محايدة. فلا حل لسورياً إلا الحل السلمي, وإجراء إنتخابات حرة بوجود حكومة سورية محايدة من الأكاديميين المستقلين.ليقرر الشعب مصيره عن طريق صناديق الأنتخابات الحرة النزيهة بإشراف دولي .لا أن يتقرر مصير الشعب السوري من خلال الرصاص والقنابل والكراهية والتهجير . فلا بد من الأبتعاد عما يسمى الجامعة العربية وقراراتها التي تفرق ولا تجمع . ولم تفلح يوماً بحل أي أزمة. لأنها مُسيرة بريموت كونترول أمريكي إسرائيلي معادي لقضاينا المصيرية.وما قرارها الأخير بإعطاء كل دولة عربية الحق بتسليح المعارضة إلاً تصعيداً وتأزيماً أكثر وأخطر. فهو يعني تدفق للأسلحة والمقاتلين على الأراضي السورية .وهو قرار خطير يعطي المبرر لجهات أخرى الحق بمثل هذا الحق. فبالمقابل ستقوم إيران وروسيا وجهات أخرى بنفس الدوروتدعم النظام الحاكم والحصيلة تأجيج الصراع وإشعال أوار نار الحرب وإطالة أمدها. لتتضاعف معاناة أخوتنا في سوريا .
الكل يسعى لتدمير سوريا وشعبها فالقتلة يتدفقون على أراضيها من كل بقاع العالم .هذا يدعم هذا وذاك يدعم ذاك. والكل يغني على ليلاه. والشعب السوري يحترق. وسوريا تحترق . ودول الجوار ستحترق من أجل مصالح إسرائيل وتمرير مخطط جهنمي في المنطقة.وستحرق النار الجميع
فشعب سوريا بالدرجة الأولى هو المسؤول وعليه أن يستوعب حجم الكارثة بعد أن تجاوز عدد اللاجئين مليون شخص والشهداء ماتي ألف والدمار الهائل الممنهج للبلاد. فيُفشِل المشروع الطائفي و يجبر الطغاة على التخلي عن الحكم بالعصيان المدني والأحتجاج السلمي. وإرغام الفصائل المسلحة على الحواروالأنتقال السلمي للسلطة.وتقع المسؤولية الأكبر على الرئيس السوري فالمفترض به اليوم وقبل الغد وضع إستقالته تحت تصرف مجلس الأمن الدولي وإستعداده لتسليم السلطة لرئيس منتخب لا مفروضاً بقوة السلاح.وعلى الشعوب العربية أن تقف الى جانب إخوتهم الأشقاء في سوريا وتشجعهم على هذا المسار والكف عن التدخل وإيقاد النار والأمتناع عن إرسال السلاح و القتلة والسفاحين مهما كانت الذريعة والشكل .
إن سلامة سوريا وشعبها مسؤولية الجميع وواجب أخلاقي وديني وقومي على الجميع. وإيقاد نار النزاع المسلح عار على المسلمين والعرب .
[email protected]