17 نوفمبر، 2024 9:33 م
Search
Close this search box.

مأساة بقدمين….وحي التنك

مأساة بقدمين….وحي التنك

ضاق الدهر فيها واستكبر العيش عليها حين ابتعدت اللقمة عن فمها كثيرا فنحلت اعضائها و نعمت حركتها وتضاءلت سكناتها وذهب بصرها فلا ترى اي تكوين سوى قدر يحمل سبوبة لقوت يوم بعد ان تتفحصها شمس الشروق وتودع هامتها شمس الغروب لتفرغ اخر اناء من سوداء الفلقتين التي تمتد استمرارية حياة الفقراء عليها حتى صارت قيمومة الوجبات الثلاث منها ومن ابن عمها الاسود ذو الرأس الاخضر الذي اصبح وحشا للمقلاة في بيوت الفقراء العراقيين لاقامته المستديمة في قوتهم اليومي…..!؟ يقال ان هذا الحي يدعى حي التنك ،في العراق طبعا ولا يمكن ان يكون باي مكان اخر غير العراق…!؟
 
 سيدة تجاوزت اعتاب السبعين وعتق الدهر كل شيء فيها وقد تكالبت اثقال الدنيا والحياة من هموم ومرض وتعب حتى سحقت عظامها بقسوة وتعسف وفوق ذلك كله اثقلت كاهلها بمسؤوليات ثقيلة اهمها ابنها الوحيد سكين السجن و حفيدها الذاهب العقل والذي لا يقوى على وعي ما يحيط به فلا تسكن حركاته الخطرة سوى ربط يديه بحبل في عرى الفراش على مدار عقارب الساعة  ، يصرخ باعلى صوته حين يجوع او يعطش ، فتسد تلك المسكينة  رمقه وحاجته بما رزق الله ، حين يقع نظرك عليها وتتفحصها بامعان لا ترى  اقل من مأساة تسير على قدمين في ملفوف عباءتها السوداء….!؟….شاهدت تلك المرأة ولم اصدق نفسي ان العراق وخيراتة يتحمل بؤسا وفاقة ومسكنة كتلك…!؟
 
 رأيتها وتوقف كل شيء عندي ،عرقت جبهتي وتسارعت دقات قلبي وتناست  قدماي ميكانيكية الحركة فتوقفت دون وعي ونسيت ان اخطو نحوها على رجلي اليمين ام الشمال فتعثرت ووقعت على اسفلت الشارع حتى ارتطم راسي بقدرها الذي طار غطائه بعيدا…..!؟… نهضت تلك المأساة لتساعدني الوقوف على قدمي وبدأت تنظف ملابسي من التراب وانا منذهل من هول الموقف، ثم اجلستني بجانبها  وهي تتلو كلمات الام العراقية الحنونة في مثل تلك المواقف حتى هدأت ثم بدأت تسألني عن سبب قدومي الى هذا الحي البائس. اجبت باني قد سمعت عن حي اسمه حي التنك ولم اعلم انه بهذا البؤس ولم اعلم ان الحياة ومظاهرها الانسانية قد اختفت عن هؤلاء الناس….!؟ وغياب الدولة والسياسيين عنه شيء مبالغ فيه، تحسرت السيدة بألم وبدأت كلمات الالم تنز من تحت لسانها وهي تقص حكايتها وحكاية البؤساء من سكان هذا الحي العجيب ……..حي التنك…!؟
 
سمعت منها العجائب والغرائب وقلت في نفسي ، هل يعلم اصحاب البدلات الانيقة وربطات العنق والسيارات السوداء والتصريحات الرنانة ان هنالك حي على خارطة المدينة مبني من التنك ويعيش سكانه بطرق بدائية تنتمي الى عهد الانسان النياندرتال ، لا يعرفوا شيئا عن الحضارة …! مواطنون خارج حيز الزمن يتشاركون لقمة العيش البائسة وهم يعيشون تحت خط الفقر وعلى ما يلتقطه اطفالهم من نفايات المدينة التي تجاورهم والتي تعد مصدر رزقهم وقوتهم اليومي….!؟ سألت تلك السيدة :
-” امي انني صحفي وجئت اسال عن هذا الحي ولم اصدق حين رايته ، هل  زاركم مرشحي مجلس المحافظة والبرلمان…!؟” اجابت:
– “نعم جاءوا لنا وجلبوا بطانيات ومدافئ ووعدونا بقطع اراضي و بيوت ووعود كثيرة ولم نرى احدا منهم منذ اكثر من ثلاث سنوات…..!؟”
قلت في نفسي ما افرط غني بالشبع الا وجاع فقير….قاتل الله من حلل قوت الفقراء على نفسه وباع دمهم  لسمسار دم  من اجل حفنة من الدولارات……سود الله وجوه من فعل ذلك ومن جلب الشر  والفقر والموت لوطنه واهله…..!؟.

أحدث المقالات