كانت مباراةٌ ملتهبةً بين ألمانيا وإيطاليا، في الدور النصف نهائي من بطولة الأُمم الأوربية، وكان الأبُ مندمجاً جداً، مع تحركات اللاعبين، وكأنهم يسمعونهُ، فتارةً يحركُ قدمهُ وأخرى يومأ براسه وكأنهُ يضرب الكرة، وكانت عينُ زوجتهُ عليهِ، مبتسمةً تضحكُ من حركاتِ زوجها…
لكنَّ عينها الأُخرى، كانت على إبنهما الوحيد، كانت تنظرُ إليهِ نظرة حزن، فهو مصاب بمرض الكآبة، الذي تمكن منهُ، بعد رؤيتهِ ذَبحُ عناصر داعش لأحدِ أصدقائهِ، عبر شبكات الإنترنت…كان جالساً في الشرفة، ولكنه لا ينظر إلى الشارع، بل يجلسُ مطأطأً رأسهُ إلى الأسفل…
تقدمت الأم قرب إبنها وقالت:
* هل أُحضرُ لك عصيراً بُني
* لا أمي لا أُريد أن أُتعبك، يكفي أن تلبي طلبات أبي
* بُني كيف تقول ذلك، ليس لديَّ غيركما، أنتما سلوتاي من الدنيا
* أعلمُ أُمي..لكن دعنيي وحدي إذا سمحتي
* إلى متى بُني؟!
تسيل دموعهُ على خديه، ويَحشرُ رأسهُ بين ركبتيه:
* ما زالت صورتهُ عالقةٍ في ذهني
* حاول أن تعود إلى الحياة وعليك أن تتقبل ذلك
* لا أستطيع، كم أتمنى أن ألحق به
* إنك تؤلمني بكلامك هذا بُني، ليس لي غيرك، يا قرة عيني… حاول أن تخرج وتمشي قليلاً… إذهب إلى المقهى، فإن لك أصدقاء كثيرون، يودون رؤيتك، عسى أن يجدوا لك حلاً…
* سأفعل ذلك أُمي
يُقبل يديها، ويذهب لِيُغير ملا بسهُ…. يخرجُ مُبتسماً، فيقبل جبهة أمهِ:
* سأذهب
* إبتسامتك جميلة جداً، أنت أشدُ وسامةً من أبيك هههه، حاول أن تأتي قبل السحور
* نعم أُمي سأحاول
يخرجُ من البيت، مُتجهاً صوب المقهى، وكأنهُ يَسمعُ صوت صديقهِ الذبيح، فيلتفت يميناً وشمالاً، ثُمَّ يتمُ مسيرهُ، وبعدُ لم يصل المقهى لم يَعد يَشعرُ بشى، لقد تناثرت أجزاء بدنهِ، هو وجميع مَنْ في الشارع، الذين خرجوا ليتهيئوا ويستعدوا لإستقبال عيد الفطر، فـ(الكرادةُ) تحترق…..