لم يهنأ الروسي فلاديمير بوتين طويلاً بفوزه الكاسح المُتوقّع في انتخابات الرئاسة التي جرت في الثامن عشر من الشهر الحالي، فبلدان الاتحاد الأوروبي جميعها تقريباً ودول أخرى خارجه، كانت له بالمرصاد في أقسى عقوبة تواجهها روسيا في حقبة ما بعد الاتحاد السوفييتي.
بوتين حصل على ما يزيد على 75 في المئة من أصوات المُقترعين في بلاده، وهي نسبة فائقة لكنّها متوقعة تماماً، فالرئيس الروسي أعدّ عدّته وصمّم كلّ شيء ليحقّق هذه النتيجة ويصير القيصر الجديد، بيد أنّ قضية تسميم الجاسوس الروسي المزدوج السابق سيرغي سكريبال وابنته بمواد كيمياوية مُحرّمة في أحد المراكز التجارية بجنوب بريطانيا في محاولة لاغتيالهما، قد فتحت أبواب الجحيم على بوتين.
إلى بريطانيا انضمّت نحو عشرين دولة أوروبية، فضلاً عن الولايات المتحدة وكندا واستراليا في فرض عقوبات مختلفة على روسيا.
من الواضح أن هذه العقوبات، بنوعيّتها وحجمها، تتجاوز قضية التسميم على خطورتها البالغة.. إنها تطول دور روسيا الجديد في العالم، وهو دور لا يتصادم مع مصالح الدول الغربيّة وحدها، وإنما يناهض أيضاً مصالح شعوب عدّة، وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط، فروسيا في عهدها الجديد، بخلاف الدور التقليدي للاتحاد السوفييتي السابق، أخذت تضغط بكلّ قوة لدعم الأنظمة الدكتاتورية المنبوذة، كنظام القذافي ونظام بشار الأسد ونظام علي عبد الله صالح، وقبلها نظام صدام حسين. وعلى سبيل المثال فإن دور كلّ من إيران وتركيا غير المرضيّ عنه محلياً وإقليمياً ودولياً، ما كان له أن يتجاوز قواعد السلوك الدولي المتعارف عليها لولا الدعم المُقدّم من موسكو إلى كلّ من طهران وأنقرة.
لابدّ أنّ بوتين يتعكّز في السياسة الدولية التي ينتهجها على ذريعة أنها تحقّق المصالح الاقتصادية والسياسية لبلاده ، لكنْ من الثابت الآن أنّ التعويل على الأنظمة المنبوذة من شعوبها لم تعد تُحقّق أيّ مصلحة وطنية لروسيا أو غيرها على المدى البعيد، فأعمار هذه الأنظمة مهما طالت منقضية على النحو الذي انتهى به عمر نظام صدام وعمر نظام القذافي وسواهما.
يحتاج الرئيس بوتين، ومعه روسيا إلى مقاربات جديدة في ميدان السياسة الخارجية لإنقاذ نفسه وبلاده من المأزق الذي يواجهانه الآن، تستند إلى جملة المصالح الوطنية ومصالح الشعوب الأخرى، وليس الى الطموحات الإمبريالية التي يبدو بوتين والمحيطون به ساعين للركون إليها والتصرّف على أساسها.