23 ديسمبر، 2024 7:07 ص

مأزق انتقال السلطة في العراق

مأزق انتقال السلطة في العراق

سيشهد العراق للمرة الثالثة في نهاية شهر نيسان/ابريل المقبل، انتخابات لملء مقاعد البرلمان الذي بدوره سيحدد هوية رئيس الوزراء القادم، علما ان الدستور العراقي لم يحدد عدد الولايات التي يمكن ان يتسنمها رئيس الوزراء، مما قد يمهد بان يشغل رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي ولاية ثالثة.

ومن المتوقع ان تزداد حدة التجاذبات السياسية في العراق بين مختلف الكتل، حيث اسدلت هذه التجاذبات الستار على ربيع المفاوضات بين الاطراف المتنازعة حول قضايا عدة.

فهل ستسير العملية الانتخابية بطريقة سلسة وشفافة؟ وهل ستؤثر الاحداث الأمنية بشكل سلبي على الانتخابات.

توافقات هشة

تتعرض الحكومة العراقية اليوم لضربة قوية جراء عدم حصول توافقات بين مختلف الكتل السياسية، وتحديدا بين حزب الدعوة وباقي الكتل الشيعية من جانب وبين الحزب والاطراف الكردية والسنية من جانب آخر.

فبرغم ظهور المالكي رجل المرحلة في مرحلة ما بعد عام 2007 وانه قد قمع الحركات المسلحة واستطاع ان يحد من الارهاب وظهر بأنه يمتلك ثقة بمشروعه، لكن هذا النجاح وبحسب محللين لم يدم طويلا لعدم الاستمرار بنمط موزون من القيادة.

حيث يتهمه خصومه بالسيطرة على السلطة التنفيذية والاجهزة الأمنية والمحكمة العليا والبنك المركزي الى جانب الاعلام.

ولا يختلف موقف الاكراد عن باقي الكتل المعارض، حيث أن رئيس حكومة إقليم لكردستان مسعود بارزاني متحمس جدا لعزل المالكي. ومن المحتمل أن يتفق بارزاني مع سياسيين من كتل أخرى من أجل الاطاحة بالمالكي من منصب رئيس الوزراء القادم.

اما السنّة من جهتهم وخصوصا على لسان بعض قادتهم وصفوا المالكي بالديكتاتور وخصوصا بعد ان اصدرت الحكومة العراقية مذكرة اعتقال بحق كل من نائب الرئيس طارق الهاشمي ووزير المالية رافع العيساوي والنائب احمد العلواني.

نقاط القوى

لدى رئيس الوزراء نوري المالكي نقاط قوة عدة، وبحسب محللين سياسيين فانه جمع حوله تأييدا شعبيا وسط قاعدته الانتخابية وخصوصا خلف الحملة العسكرية التي استهدفت تنظيم القاعدة في غرب العراق، وقضايا أخرى “عالقة”.

كما أنه استطاع ان يستغل ضعف المعارضة، حيث تشكو قوى المعارضة الشيعية والسنية من ضعف تنظيمي وضعف في اتخاذ القراراتالتي قد تمكنها من إدارة الأزمات.

ومن نقاط القوة الأخرى ان وجوده على رأس الهرم ساهم ذلك بدعم سلطته.

وفي اطار الضغوط الخارجية التي تمارسها دول معينة على السياسة العراقية، يرى محللون ان رئيس الوزراء المالكي قد استطاع ان يحافظ على نوع من التوزان في العلاقات والمصالح بين الايرانيين والولايات المتحدة الامريكية. وهو الأمر الذي قد يكون ساعده في البقاء بالسلطة.

السعودية بدورها تعتبر المنافس الأكبر للايرانيين على الساحة العراقية لكن من الصعب احتواء الموقف المتأزم بين البلدين، جراء سياستها تجاه العراق حيث انها تمارس سياسات وضغوط بطريقة لا تعطي دليلا واضحا للعيان بهذه التدخلات، لكن مراقبون يصفون دورها يكمن في دعمها للقادة السنة، فضلا عن اتهامها بدعم مجموعات متشددة تنفذ عمليات ارهابية في العراق.

يبدو ان حزب الدعوة واثق من خوض الانتخابات وادل مثال على ذلك الاصرار على الالتزام بموعد اجراؤها.

ومنذ تسنم حزب الدعوة مقاليد الحكم في العراق عام 2007 أصبحت مؤسسات الدولة تخضع لإدارة الحزب.

آثار الصراع

أما ما ترتب على هذا الصراع في البلد وخصوصا عندما خلفت الانتخابات الماضية جدلا كبيرا حول هوية الكتلة الفائزة والاختلاف حول تفسيرها قانونياً فضلا عن التشكيك بنزاهة فرز الاصوات حيث تم اعادة فرز النتائج في بغداد لـ 2.4 مليون صوت.

وأسفرت النتائج عن حصول القائمة العراقية التي يقودها رئيس الوزراء الاسبق إياد علاوي، على 91 مقعداً. أمّا قائمة ائتلاف دولة القانون، بقيادة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، فقد حلت بالمركز الثاني بـ 89 مقعداً.

وبناء على ما جرى من تجاذبات سياسية كانت أبرز تداعيات هذا التجاذب:

ـــ صراع سياسي بين الكتل داخل الطائفة الواحدة.

ـــ صراعات معقدة تطورت باتجاه الطائفية والمناطقية.

ـــ دخول دول المنطقة على خط الانتخابات. حيث يدور صراعا من اجل النفوذ، من خلال دعم بعض الحركات والاحزاب.

ـــ الصراع حول المناطق المتنازع عليها وبقاء ملف صادرات النفط مع كردستان معلقاً.

ـــ استمرار العنف من خلال تكوين مجاميع مسلحة تؤمن بالعمل المسلح. وبقاء البلد في حالة صراع مستمر كما يحدث في لبنان وغيرها.

التلاعب بالاصوات

في الوقت الذي تبلغ حملة الانتخابات العراقية ذروتها، عبرت الكتل السياسية عن قلقها إزاء احتمال تزوير الانتخابات والتلاعب في النتائج.

أما الطرق التي يمكن عبرها يتم تزوير الانتخابات هي:

ـــ استغلال طبقة الافراد الاميين حيث يمكن خداعهم عبر التصويت لاسماء غير تلك التي يقصدها الناخب.

ـــ مراكز الاقتراع التي تقع في مناطق النفوذ لكل حزب حيث يمكن ان تمارس هذه الاحزاب ضغوط معينة من اجل ترهيب المراقبين او الناخبين.

ـــ ضيق الوقت المحدد لتقديم الطعون.

ـــ تأخير المصادقة على نتائج الانتخابات.

ـــ مراكز الاقتراع التي تقع في المناطق الساخنة حيث قد تعمد المجاميع المسلحة والمتشددة من اجبار الناخب على التصويت لمرشح ما.

ـــ عملية فرز الأصوات ولعل هذا الجانب هو الاكثر مدعاة للقلق وهي مرحلة عملية عد الاصوات حث تعتبر من المراحل الحساسة والتي يمكن من خلالها يتم التلاعب بالنتائج.

ـــ صناديق الاقتراع الخاصة بالمهرجين، حيث اعلنت المفوضية عن انها ستفتح 82 مركزا انتخابياً لادلاء النازحين الى خارج محافظة الانبار. وهو ما يدفع بعض المرشحين من استغلال المهجرين انتخابياً.

ـــ تدخلات دولية، حيث يرى محللون ان دول معينة سيكون لها دور كبير في التأثير على الانتخابات العراقية، وان هذه الدول لها دور كبير في حصول توافقات على شخصية رئيس الوزراء القادم في العراق. وفي حال عدم حصول هذا التوافق قد يعرض العراق لضغوط كبيرة تكون مقدمة لتمزيق وحدة البلد بشكل أكبر. فان خروج نتائج الانتخابات بشبهة التزوير من الممكن أن تؤدي إلى انقسام كبير داخل البلد مما يهدد ذلك بصراع يصل الى المواجهة المسلحة.

الظروف الأمنية

الظروف الأمنية تلقي بظلالها على الانتخابات الحالية، فالأوضاع في المناطق الساخنة مثل كركوك والموصل وديالى والانبار ومناطق حزام بغداد قد تثني الكثير من الناخبين عن التوجه إلى مراكز الاقتراع. حيث اعلنت مفوضية الانتخابات العراقية ان مناطق النزاع بغرب العراق لن تشارك في الانتخابات البرلمانية. وقالت المفوضية ان موظفيها لايستطيعون الدخول اليها.

ومؤخرا سرق مسلحون مجهولون 2000 بطاقة إلكترونية من مركز انتخابي وسط مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار العراقية.     

خاتمة
يعرب مراقبون عن تخوفهم من ان يكون العراقيون غير قادرين على طرد الفاسدين عبر اختيارهم مرشحين اكفاء قادرين على التصدي للمحاصصة والطائفية، ومعالجة قضايا البلد على المستويين المحلي والدولي.

في وقت من المفترض فيه ان تقدم الانتخابات المزمع عقدها في نيسان عام 2014 فرصة حقيقية لإعادة بناء البلد.

ما هو مهم ان تكون الانتخابات المقبلة مسهمة باستقرار العراق من خلال انتقال السطلة سلمياً وان يكون الرئيس القادم مقبولاً من الجميع ويتمتع بسلطة حكيمة وقوية.

فعندما تؤخذ جميع هذه العوامل بنظر الاعتبار، التي عززت الشعور بأن الواقع الجديد في العراق ربما سيتردى إلى حالة تعيد ذكرى النظام السابق.

وهو ما يطرح تساؤلا كبيرا يردده الشارع العراقي، وهو هل ان القادة السياسيين مؤهلين لإدارة البلد؟

الامر يبقى مرهونا بقدرة العراقيين على فهم معنى الديمقراطية والعمل على ترسيخها بحيث تكون جزءا من النظام السياسي.