23 ديسمبر، 2024 5:25 م

-1-
تختلف لغة الارقام عن سائر ألوان الكلام …

إنّها حقائق بعيدة عن كل المؤثرات المستجيبة للتفاعل مع العواطف والأمنيات العِذاب ….

انها تكشف عما هو كائن لا الذي يُراد له أنْ يكون …

-2-

وقد وضعت وزارة الصحة مؤخراً بين أيدينا أرقاما ذات دلالات محزنة للغاية .

قالت :

إنّ عدد الاطباء الذين غادروا العراق بسبب الاوضاع الامنية منذ 2003 بلغ نحو عشرة آلاف طبيب .

وقالت :

إنّ عدد الاطباء العراقيين في لندن بلغ خمسة آلاف طبيب عراقي ، ناهيك عن الاطباء العراقيين الذين احتضنتهم بلدان أخرى ..!!

-3-

لقد لقد تعرّض الاطباء العراقيون الى حالات ابتزاز ، وعمليات خطف ، على يد العصابات الاجرامية ، وعمليات اعتداء من قبل أقرباء بعض المرضى …

بل قامت بعض عناصر القوات المسلحة العراقية بضربهم والاساءة اليهم علانية وبكل صلف ووقاحة .

ومن الواضح انّ غياب الحماية الحقيقية للأطباء، وشعورهم أنهم مستهدفون، يدفع بهم الى التفكير لمغادرة الوطن، ضمانا لسلامتهم والحفاظ على كرامتهم …

-4-

إنّ هذه الظاهرة لا تختص بالأطباء فقط ، وانما امتدت وشملت العديد من الشرائح العراقية، ذات الاختصاصات النادرة في شتى الحقول والمجالات، في الهندسة كما في الاقتصاد ، وفي القانون كما في الكيمياء …

والفارق بين الاطباء وغيرهم هو ان عدد المغادرين من الاطباء فاق غيرهم من الأكاديميين والخبراء …

-5-

والسؤال الآن :

لماذا تزايد عدد المغادرين للوطن ، والتواقيّن للهرب حتى بلغ عدد المهاجرين الى خارج البلاد الملايين ؟

ولا نحتاج الى مزيد تأمل لنقول :

إنّ احساس المواطن بانه كمٌّ مهمل ، يتنافس السياسيون المحترفون لارضائه في موسم الانتخابات ، ونسيانه في سائر الأيام الأخرى ، هو الذي يزهدّه في البقاء ويحمّله مالا يطيق من الاعباء …

ان هناك أعداداً ضخمة من العوائل العراقية في دول الجوار الجغرافي ، تنتظر الاشارة من مكاتب الامم المتحدة المعنيّة بالهجرة لإشعارها بقبولها في هذا البلد أو ذاك بعد ان ضاقت عليها فرص العيش في العراق .

واذا كان الشاعر العربي يقول :

لَعمرُكَ ما ضاقت بلادٌ بأهلها

ولكنّ أخلاق الرجال تضيقُ

فاننا نقول :

ان العراق معروف باجتذابه لغير أبنائه فكيف يضيق بأبنائه ؟

ان الوطن لم يضق بأبنائه ، ولكن الصراعات السيّاسية بين محترفي السياسة هي التي أوصلت البلاد الى ما وصلت اليه من وضع قاتم …!!

-6-

ويكفينا هنا أنْ نُذّكر بحقيقة مرّة تقول :

ان السنوات الثمان التي قضتها الحكومة السابقة (2006-2014) تميّزت بميزتين سلبيتين خطيرتين :

1 – شيوع الفساد المالي والأداري الى حدّ جعل العراق يقارن بالصومال..!!

2 – تدني الخدمات العامة الى الحدّ الذي جزع معه عامة المواطنين .

هذا وهم يرون مَنْ لم يكن يملك شيئاً قبل سقوط الصنم، أصبح في طليعة الأثرياء، بسبب ما نهب وسلب، وبقي بعيداً عن المحاسبة، بينما ظلوا هم في المعاناة الرهيبة التي أصبحت خبزهم اليومي ..!!

-7-

وحين جاءت حكومة الدكتور العبادي وبدأت مشوار الاصلاح خَنَقَتْها الأزمة المالية، بسبب التوسع في الانفاق في ظلّ الحكومة السابقة ، وغض النظر عن السُراق واللصوص .

ولقد بدأت حكومة الدكتور العبادي – معتمدة على مباركة المرجعية الدينية العليا ، واسناد الوطنيين المخلصين من ابناء العراق – مهماتها الكبرى فألغت مكتب القائد العام للقوات المسلحة ، وأعفت ثلة من كبار القادة العسكريين من مناصبهم، وأحالت عدداً آخر على التقاعد ، وفتحت الباب أمام المواطنين للتواصل معها عبر الموقع الالكتروني ، لتعيد الثقة الى نفوس المواطنين الذين راعهم منهج الاتكاء على الابناء والأصهار والابتعاد الكامل عن ذوي الراى من الأحرار …

-8-

ان التفاهم والانسجام بين الرئاسات الثلاث :

-رئاسة الجمهورية متمثلة بالرئيس الدكتور فؤاد معصوم، ورئاسة مجلس الوزراء متمثلة بالدكتور حيدر العبادي ، ورئاسة مجلس النواب متمثلة بالدكتور سليم الجبوري –

من المؤشرات المهمة على وجود فرصة حقيقية لتغيير الأوضاع الفاسدة ، وانقاذ البلاد والعباد من براثن الفساد .

-9-

وأما القضية الأمنية والقضاء على ” داعش ” والمرتبطين بها، ممن لايريد للعراق ولا للانسانية كلها الاّ التخلف والشقاء، فهي مهمة الدولة حكومة وشعباً ، ويقع العبء فيها على الحكومة والمواطنين .

ان الجهاد الكفائي الذي دعت اليه المرجعية الدينية العليا هو أروع التعابير عن وجوب المشاركة الشعبية في تطهير العراق من الأوغاد الذين عاثوا فساداً في البلاد والعباد .

-10-

ولن نذوق طعم الأمن والاستقرار ما لم يتم القضاء على زمر الأعداء من داعش واخوانها من الرضاعة ، الذين لا يتلذذون الاّ بسفك الدماء وهتك الأعراض ، والاستحواذ على الأموال ، وسوق العراقيات سبايا الى سوق النخاسة …، راكلين بأقدامهم كل القيم والمقدسات .

*[email protected]