23 ديسمبر، 2024 5:48 ص

كيف للدول والجماعات الإرهابية، أن تتهاتف للقتال فى سوريا، وهى تدرك أنها لن تنتصر مستقبلا، تماما مثلما لم تتمكَّن من تحقيق أى نتائج تذكر خلال السنوات الست الماضية؟، ومع ذلك تمضى غير عابئة بالبحث عن إجابة تَقيها أو تُجنِّبُها مزيداً من الخسائر، الشاهد على ذلك موقف المعارضة فى لقاء أستانا وفى مفاوضات جنيف الأخيرة، حيث لا يزال بعض منها يعتقد فى قدرتها على تحقيق انتصار على الأرض من خلال الحسم العسكري، ولولا إصرار طرف آخر على التفاوض لشاهدنا اتساع دائرة القتال، وكذلك الحال بالنسبة للنظام الحاكم، فهو مزهو بانتصارات حققها بدعم الحلفاء الأربعة، روسيا، إيران، حزب الله اللبناني، وفصائل عراقية متنوعة.

الواقع أن الكفة تميل لصالح الدولة السورية بلا منازع، ليس فقط لأنها تمكَّنت من استرجاع أراضٍ كثيرة كانت تحت سيطرة الجماعات الإرهابية، ولكن لأن النتائج على الأرض أسهمت فى تغيير الموقف الدولي، غير أنه لم يتضح بعد أن كان النصر سيتواصل بعد دخول الولايات المتحدة الأمريكية على الخط بهدف توقيف أمواج المهاجرين والنازحين، وذلك بإقامة مناطق آمنة، فيما يعدُّ تحضيرا لتكرار سيناريو مناطق الحظر التى أقيمت فى العراق، وهذا الطرح الأمريكى يلقى تجاوباً من عدة أطراف،وهو مدعوم بأمانى دول معادية لسوريا، تركيا مثلا، وبرغبة دول أكثر عداء تعمل من أجل إضعاف سوريا، إسرائيل مثلا، والعمل من أجل قبولها شريكا فاعلا، بل وبديلاً، ووارثا فى المنطقة، وهى رغبة تشترك معها فيها مع الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب.

الدولة السورية لن تتمكن من العودة إلى سابق عهدها إلا بعد خمسة أضعاف سنوات الحرب على الأقل، أى أن حرب السنوات الست الماضية ـ هذا على فرض أنها ستضع أوزارها فى الشهور القليلة المقبلة ـ وهى حرب عبثية بكل المقاييس، وغير هادفة، وقذرة، تتطلب ثلاثة عقود للبناء كحد أدني، هذا فى حال إجماع المجتمع الدولى على توقيف الحرب هناك، لكن قد تستمر طويلا إذا استجابت الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب للمقترح الإسرائيلي، القائم على ثلاثة أسس، أولها: التسليم باحتلال الجولان، والاعتراف بسلطة وسيادة إسرائيل عليه، وثانيها: فك العلاقة بين سوريا وحزب الله، وثالثها: إنهاء العلاقة الاستراتيجية بين إيران وسوريا.

لقد كشفت السنوات الست الماضية من الحرب فى سوريا، حجم التحالفات الدولية، مثلما بيَّنت تخبط السياسات وتضارب المواقف، وغياب المصالح العليا للدول، خاصة من الدول التى دعّمت المعارضة من أجل إسقاط الشرعية فى دمشق، لذلك يطرح المراقبون السؤال التالي: ما المصالح الظاهرة أو المستترة للدول التى أسهمت فى إشعال الحرب السورية، خاصة دول الجوار والدول الإسلامية؟..

الوقائع تؤكد خسارة الدول الدَّاعمة للإرهاب فى سوريا، أو حتى للمعارضة المعتدلة ـ إذا كانت هناك حقا معارضة معتدلة فى سوريا اليوم ـ وهى خسارة تتجاوز التكتيك إلى الإستراتيجية، فمثلا: ماذا جنت تركيا من دعمها للإرهاب فى سوريا على مستوى مصالحها القومية غير تراجع دورها، وانهيار جبهتها الداخلية، وحدوث تصادم سياسى أدى إلى انقلاب، وحول البلاد كلها إلى حال من الفوضي؟!، والسلطات التركية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان تدرك هذا وهى أعلم به منا، ومع ذلك تصرُّ على الاستمرار فى القيام بهذا الدور، وينطبق هذا على جميع الدول الدَّاعمة للمعارضة فى سوريا، بما فى ذلك بعض الدول العربية. ما يقدم عليه بعض قادة الدول والحكومات من دعم لقوى تحمل السلاح فى وجه الدولة السورية، والعمل من أجل إفشال أى مبادرات أو خطط أو اتفاقات للخروج من الأزمة، ثم التصعيد المتواصل، قد يكون تفسيره من زاوية تناقض مصالح الدول مع منافع قادتها، لأن النظرة العميقة للأزمة السورية تكشف أن دعم الجماعات المسلحة لأجل إسقاط النظام السوري، يمثل خطرا على الدول الداعمة، فكيف لها أن تقوم بذلك ما لم تكن أجندة حكامها مختلفة تماما عن أجندة الدول نفسها؟، وهذا ينتهى بنا إلى ضرورة البحث فى الأدوار المشبوهة لبعض قادة دول المنطقة، واشتراكها فى فضاء واحد مع المصالح الإسرائلية. وإذا كنّا نسلم بوجود عداء شخصى من بعض القادة العرب والأجانب للرئيس بشار الأسد، وكذلك لنظام حزب البعث السوري، وللقومية العربية عموما، سواء أكان مبررا أم غير مبرر ـ فإن الذى يتعذر علينا فهمه هو جعل الشعب السورى كله رهينة، وجرّه إلى حرب غير واضحة الأهداف، مكلفة بشريا وماديا، كما أن نارها ستصل إلى الدول الداعمة، وخير مثال على ذلك الحالة التركية، الأمر الذى يعنى خسارة جميع الأطراف، ذلك لأن استمرار الحرب يستنزف مقدرات الدول الداعمة، وقد تشملها الحرب فى المستقبل المنظور. ولأن الخسارة عامة، وإن ادَّعت بعض الدول انتصارها فى الحرب، أو توقيف تمددها عبر دول أخرى فى المنطقة، فإنه علينا جميعا أن نحارب الإرهاب، بما فى ذلك إرهاب بعض القادة الفاعلين فى المنطقة، وأن نخرج من سياسة التمييز فى المواقف، ليس فقط من أجل الخروج من الأزمة فحسب، وإنما حماية لدول أخرى تعتقد أنها فى مأمن، لكنها فى حقيقة الأمر تقف فى الطابور منتظرة دورها، حتى لو حاولت أن تكون بعيدة عن محيطها العربي، مكتفية بالفرجة، أو بإشعال النار، أو بالتحالف مع قوى الشر العالمية لاعتقاد وهمى أنها تضحى بدول عربية أخرى لتبقى هى بعيدة عن الطوفان الدولى، مع أنه مقبل لا محالة، حتى لو تأخر قليلا، مثلما نجت دولنا من التقسيم، والفضل فى هذا كله لسوريا، شعبا وجيشا ونظاما، حتى لو لم تكن تقصد ذلك.

نقلا عن الأهرام