23 ديسمبر، 2024 2:54 ص

ليونيد برجنيف والصيف

ليونيد برجنيف والصيف

لأكثر من مرة وفي سبعينات القرن الماضي نظمت مديرية محطة طاقة الناصرية الحرارية الكهربائية والتي يقوم ببنائها خبراء ومهندسين سوفييت .
نظمت سفرات ترفيهية للخبراء في اهوار مدينة الجبايش ، وكان ممنوعٌ على أي انسان الحديث معهم بالرغم من أن الكثير منهم يتقن اللغة العربية وباللهجة المصرية لأنهم اشتغلوا قبل المجيء الى العراق في انشاء مشروع السد العالي الذي اقيم على نهر النيل في مصر وتم افتتاحه من قبل الرئيسين المصري والروسي جمال عبد الناصر ونيكيتا خروتشوف.
وكان يرافق هذه المشاحيف مشحوفا فيه مفرزة خليط من الشرطة والامن والمترجمين .
وكان البعض يصيد السمك ، والمهندسون اصحاب المناصب الادارية في البعثة يمسكون بنادق صيد ويصيدون الطيور .
ذات يوم نزل مشحوف من هذه البعثة الى شواطئ قريتنا وقد تاه عن المشاحيف الاخرى ، ففرحنا ونحن مسكونون بالفضول لنعرف الرجال السوفييت عن قرب بالرغم من أن نصف المعلمين لديهم انتماء او ميول شيوعية ، ولكننا لانعرف شيئا عن تلك البلاد التي تسكننا بحلمها البروليتاري وثورتها البلشفية سوى ما تنقله لنا مجلة اسمها انباء موسكو وتلك الاخبار التي نقراها عن وقائع الحرب الباردة بين الروس والامريكان .
 ويوم اتى لنا احد المعلمون البعثيين ليقول لنا :ان زعيمكم البروليتاري برجنيف يملك احدث اطقم للسيارات الفارهة ومنها احدث موديلات الرينو الفرنسية التي يعشقها .
 كتم المعلمون الشيوعيون الذين كادوا ينفجرون غضبا في وجه هذا المعلم وتكذيبه بالرغم من انني كنت اعلم أن الزعيم الروسي لديه هواية اقتناء السيارات من خلال تقرير مصور قرأته في مجلة الاسبوع العربي .
 وقال احدهم : لولا ميثاق الجبهة الوطنية لرميت هذا الذي يتبلى على الرفيق برجنيف بالهور حتى لو اقضي بقية عمري في سجن ابو غريب.
كان يوما صيفيا قائظا وكنا متواجدين لإنجاز امتحانات الدور الثاني عندما استقبلنا الخبراء الروس التائهين وقدمنا لهم اللبن والابتسامات وكان بينهم مهندس بدرجة خبير يدعى ( برجنيف ) ويتكلم العربية .
قال له احد المعلمين : نحن سعداء بك سيد برجنيف .وسعداء اكثر لأنك تحمل اسم الزعيم ليونيد برجنيف.
تغير لون وجه الرجل وابتسم بهدوء وقال انا : أسمي فاسيل برجنيف وليس ليونيد برجنيف اتمنى أن نبتعد عن التسميات ونشكركم على هذا اللبن وسننتظر رفاقنا.
همست الى المعلم : وقلت : ما الذي فعلته ، برجنيف يحب الصيف السيبيري ولا يحب صيف الاهوار لهذا لن يأتي . الذي جاء هو رجل مهندس علموه في موسكو أن يكون حذرٌ في كل كلمة يقولها ، فكيف وأنه اسمه يحمل اسم الرفيق برجنيف ،ربما اوصوه ليكون اخرساً ولا يحرك فمه سوى مع درنفيس الفحص وزوجته في غرفة النوم . وقد اتى الخبراء مع زوجاتهم وسكنوا حيا بجوار المحطة اسمه ( الحي الروسي ).
وهكذا عشنا يوما صيفيا حذرا مع الرفيق برجنيف . وكأننا جالسون في مجلس عزاء ، حتى جزع احدهم من هذا الصمت وسأل المهندس برجنيف : إن كان صيف الاهوار يشبه صيف موسكو .؟
ولأنه سؤال جغرافي اجاب المهندس :كلا هنا صيفكم جحيم ، وموسكو جوها لطيف في الصيف.
قال المعلم مازحا : لهذا ارسلَ الرفاق في موسكو الى صيفنا برجنيف التقليد ولم يرسلوا برجنيف الاصلي….!