23 ديسمبر، 2024 10:13 ص

لينين والادباء الروس / ملاحظات أولية

لينين والادباء الروس / ملاحظات أولية

فلاديمر ايليتش لينين ( 1870 – 1924 ) ولقبه الحقيقي اوليانوف – علم معروف وشهيرو شخصية عملاقة وكبيرة ومؤثٌرة في دنيا السياسة في روسيا والعالم ( بغض النظر عن المواقف المتباينة تجاه افكاره), برز اسمه في نهاية القرن التاسع عشر بروسيا واحداثها الكبرى آنذاك ولا زال يؤدي دورا كبيرا ومهما جدا في مسيرة الحياة السياسية الدوليةوعالمها لحد الان , اي في القرن الحادي والعشرين , وليس من واجب السياسي طبعا ان يكتب ويبحث في شؤون الادب والادباء والنقد الادبي وتاريخ الادب , او يشارك في امور الادباء الابداعية او مسيرتهم ودورهم في المجتمع ..الخ, ولكن طبيعة بعض النظم السياسية ( نظم الحزب الواحد ) في بعض المجتمعات قد خرقت هذه القاعدة المنطقية والطبيعية مع الاسف , ومن جملتها النظام السوفيتي , وهذا ما شاهدناه ولمسناه واقعيا اثناء دراستنا في الاتحاد السوفيتي , فقد كانت الجمل العامة حول الادب والفن والثقافة معلقة في كل مكان وهي تشير الى ان القائد السياسي فلان يقول ( ان الفن يرتبط بالشعب والمجتمع ) , او (ان الكاتب الفلاني عظيم ورائع لانه يعكس آمال الشعب وارادته ) , او ( ان الادب يعكس حياة المجتمع ومشاكله ) او ( ان الاحتفال بالذكرى الفلانية للموسيقار الفلاني يؤكد عظمة النظام الاجتماعي) …الخ هذه الجمل الطنانة و الرنانة والعامة جدا ليس الا , والتي قالها فلان او فستان من القادة في مختلف المناسبات.
 لقد حكم لينين 7 سنوات منذ انتصار ثورة اكتوبر 1917 والى حين وفاته عام 1924 , وقد كان مريضا في الفترة الاخيرة بعد محاولة اغتياله المعروفة, وانعزل واقعيا عن مواكبة احداث الحياة السياسية والاجتماعية والسلطةعموما, ولم يتناول في مؤلفاته ومقالاته اثناء فترة حكمه القصيرةجوانب تخص شؤون الفن والادب بعمق , اذ كانت الاحداث تجري بشكل عاصف جدا حوله , على الرغم من وجود كلمة هنا او تصريحات هناك يتحدث فيها عن هذا الكاتب او ذاك الفنان ليس الا, ولكن النشاط الفكري الكبيرالذي مارسه قبل ثورة اكتوبر قد شمل بعض جوانب الادب ( من وجهة نظر العمل السياسي طبعا ) ,الا ان  نظام الحزب الواحد في كل مكان وطبيعته كان يحتاج الى خلق هذه الاجواء التي تؤكد على وجود القائد في المجالات كافة وتوجيهاته في كل مرافق الحياة وتشعباتها , ولا نريد الخوض هنا  في هذا الموضوع السياسي البحت و المتشابك او في ابعاده الفلسفية, ولكننا نريد ان نتناول في مقالتنا هذه الموقف العام لقائد كبيرومثقف كبير ايضا مثل لينين من الادباء الروس  فعلا وبشكل موضوعي على الرغم من قناعتنا التامة ان هذا الموضوع واسع جدا ولا يمكن ان نوفيه حقه بتاتا في عدة سطور اوحتى عدة صفحات , ولهذا أطلقنا عليه عنوان – ملاحظات اولية, ولكننا نرى – مع ذلك – ان طرحه لا يخلو من فائدة للقارئ العربي اذ ان هذا الطرح – في الاقل –  يذكر باهمية هذا الموضوعوقيمته , بل  وتأثيره المباشر على مسيرة الحياة الثقافية اليومية.
لم يكتب لينين مقالات تتناول الادباء الروس ونتاجاتهم عدا مقالاته المعروفة عن تولستوي , والتي صدرت بعدئذ في كتيب عنوانه – ( مقالات حول تولستوي ) والمعروفة ايضا بعنوان اشهر تلك المقالات وهي – ( تولستوي مرآة الثورة الروسية) , وهو كتيب صغير صدر بعدة لغات و منها لغتنا العربية , وقد تحدث عنه الكثيرون من الماركسيين في العالم ( بما فيهم  العرب ) مدحا واشادة بالطبع , ودرسناه –  نحن الطلبة – ضمن مناهجنا عندما كنا ندرس الادب الروسي في المعاهد والجامعات السوفيتية في ستينيات القرن الماضي , بل وكان هذا الموضوع موجودا حتى ضمن مناهج المدارس السوفيتية طبعا في الفصل الخاصالذي كان يتناول ادب تولستوي ومكانته في تاريخ الادب الروسي. لقد تم بحث هذا الموضوع في الفترة السوفيتية كثيرا وبالتفصيل ولكنه انحسر في الوقت الحاضر , وهذا اكبر دليل على ان تلك المقالات تمتلك قبل كل شئ اهمية سياسية بحتة. يحتوي هذا الكتيب على خمس مقالات كتبها لينين قبل الثورة عن تولستوي وهي كالآتي –
1- تولستوي كمرآة للثورة الروسية , وقد كتبه عام 1908
2- ل. ن. تولستوي  , وقد كتبه تعليقا على وفاة تولستوي عام 1910
3- تولستوي والحركة العمالية المعاصرة , وقد كتبه عام 1910
4- تولستوي والنضال البروليتاري , وقد كتبه عام 1910
5- تولستوي وعصره , وقد كتبه عام 1911
وتوجد اشارات عديدة اخرى الى تولستوي في كتابات لينين هنا وهناك, ولكن كل هذه المقالات والملاحظات كانت قبل اكتوبر 1917 بالاساس كما هو واضح . لقد اهتم لينين بمكانة تولستوي في روسيا نتيجة لموقعه الفكري في المجتمع وليس الادبي طبعا , وحاول في تلك المقالات ان يوظف آراء تولستوي وفلسفته ويفسرها لخدمة اهدافه السياسية ( رغم مواقف تولستوي البعيدة جدا عن تلك الاجواء ) , وهذا واضح حتى من عناوين مقالات لينين اصلا والمفردات التي استخدمها هناك – ( الثورة الروسية / الحركة العمالية / النضال البروليتاري .) , ولا توجد في تاريخ الادب الروسي وثائق تبين ان تولستوي نفسه كان قد اطلع على مقالة لينين عام 1908 حوله ( وهي المقالة الوحيدة التي كتبها اثناء حياة تولستوي ) , اذ ان لينين آنذاك كان يعيش خارج روسيا ولم يكن معروفا بما فيه الكفاية  في الاوساط العامة الروسية , وكان عمر تولستوي عندها في حدود الثمانين , وكان بالطبع في قمة مجده .
لم يتوقف لينين عند ادباء روس كبار آخرين مثل دستويفسكي مثلا , وكان من الواضح انه لم و لن يجد لدى هذا الكاتب صدى لاهدافه السياسية كما وجدها عند تولستوي , ولكننا نجد في ثنايا اقوال لينين ورسائله وذكريات معاصريه حوله بعض الاشارات المهمة جدا بشأن الادباء الروس الاخرين ونتاجاتهم , واهمهم طبعا مكسيم غوركي وعلاقاتهما الطويلة وخلافاتهما ومناقشاتهما معا , وهذا موضوع كبير جدا في تاريخ الادب والفكر الروسي ولا يمكن ايجازه بسطور , وهناك جوانب اخرى طبعا تبدو صغيرة ولكنها طريفة وتعني الكثير , ومنها على سبيل المثال وليس الحصر كلمة لينين الشهيرة عن قصة تشيخوف ( ردهة رقم 6 ) او ( عنبر رقم 6 ) كما جاء في بعض الترجمات العربية , اذ اعتبرها لينين رمزا لروسيا القيصرية , وقال انه  خرج من الغرفة عندما قرأ تلك القصة , لانه شعر بالاختناق وكأنه كان في تلك الردهة , وهو وصف دقيق وصادق لاحدى روائع تشيخوف طبعا , او كلمته حول المقارنة بين شعر ماياكوفسكي وبوشكين , عندما سأل مجموعة من الشباب حول الشعر وكيف ان الشباب اجابوه بانهم لا يقرأون شعر ( البرجوازي ) بوشكين , وانما يقرأون شعر ( البروليتاري ) ماياكوفسكي , وقد قال لينين جملته الشهيرة  آنذاك – ( ولكن شعر بوشكين أفضل ) , علما ان لينين لم يتقبل شعر ماياكوفسكي ابدا .
ان الهدف من هذه السطور الوجيزة جدا يكمن في اننا نريد طرح هذا الموضوع المهم من وجهة نظرنا مرة اخرى امام القراء , اذ اننا نرى انه من الضروري اعادة دراسة الموضوع بعد ان تحرر القارئ والباحث من وجهات النظر الجاهزة وقوالبها المعلبة مسبقا , وان هذه الدراسة الجديدة ستعيد الحيوية الى هذا الموضوع وستؤدي الى اغناء الدراسات الفكرية حول الادب الروسي وموقف هذا المثقف الكبيرمنه.