19 ديسمبر، 2024 1:36 ص

ليلــة اطــلاق الرصــاص على الصــــدر..

ليلــة اطــلاق الرصــاص على الصــــدر..

ليلة السبت.. 20 شباط 1999.. ليست كباقي الليالي، عند الكثير منا.. كنت في الموصل، متجها الى كراج بغداد، لأجل العودة، كانت الساعة حوالي العاشرة، وعندما وضعت قدمي في (التاكسي).. انطلق موجز الاخبار من (بي بي سي) وفيه ما صعقني: اغتيال رجل الدين الشيعي محمد الصدر.. شككت في ما اسمع، ولا يمكن لي ان اسال السائق، الذي لم يكن مهتما.. او تعمد ذلك، بقصد ما.. وقد يكون احد ازلام السلطة..

ثم تابع المذيع تفصيل الخبر، كما اذكره اجمالا: تم مساء اليوم اغتيال رجل الدين الشيعي محمد الصدر في مدينة النجف العراقية، وحمل اتباعه الحكومة العراقية مسؤولية الاغتيال.. ولا زالت العاصمة بغداد تشهد توترا ..وخاصة في ما يسمى مدينة الثورة..

انتابني شعورا بالخسارة.. ثم اختلطت داخلي مشاعر (الثأر) و (اليأس).. و (..) بشكل مفاجئ .. وهي:

اولا: شعرت ان المجتمع قد خسر، فرصة للخلاص.. وان الكثيرين منا، أتخذوها لهوا ولعبا.. وان اغتيال السيد، فضح زيف ادعاءاتهم..

ثانيا: شعرت ان الذي حصل، ضروريا، بكل تفاصيله.. استنادا للتخطيط الالهي العام..

تذكرت.. يوما ما.. في مسجد الكوفة.. كانت الشمس حارقة، وحصى المسجد يذوب، تحت المصلين، الجالسين في امام الصدر، وهو يرتدي الكفن، ويلقي اطروحاته، دون ان يلتفت الى من حوله.. كان اغلب المصلين يلوذون في (رازونات) تحيط بالمسجد، طلبا للظل.. وبقي عدد منهم مقابل المنصة، والفرد منهم، يضع منشف او منديل (مبلل بالماء) على رأسه.. كنت انظر للصدر.. واتساءل مع نفسي: هل هو جاد..؟ ماذا يمكنه ان يفعل بهؤلاء الفقراء..؟.. كنت انظر الى مشروع الصدر، على انه مرهون بتلك السنوات.. وبعد استشهاده، فهمت انه يؤسس الى ما

بعد رحيله.. فهمت –لاحقا- ان اولئك المصلين المتناثرين بين وسط المسجد وزواياه.. هم بذور الصدر المتناثرة في ساحة السنوات القادمة.. تلك البذور الناعمة التي ستملأ مزرعة التاريخ بخضارها .. وكما قال تعالى في الفتح: ..ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ …

ثالثا: شعرت ان الصدر، قد انهى تكليفه الثقيل.. وانتهت معاناته مع (الجهلة).. لانه كان يعاني بشدة من اعتراضات الكثيرين، وقد صرح به .. ومن ذلك:

الف: في الخطبة 3 عبر عما يعانيه من اثارة الشبهات ضده ..فقال: .. واحد من فضلاء الحوزة جزاه الله خيرا قال لي بانه يقولون للناس هل صلوا ائمتكم جمعة؟ اذا لم يكونوا قد صلوا جمعة فلماذا تصلون انتم جمعة ؟!.انتهى.

باء: في الخطبة 8 عبر عما يعانيه من (عدم الجدية) تجاهه ..فقال: .. قبل ان ابدأ بالخطبة احسب ان كثيرا منكم يقولون انه فلينته سيد محمد الصدر من الدعاء حتى نصغي بآذاننا الى مقاصده وما يريد ان يقول.انتهى.

جيم: في الخطبة 15 صرح عما يعانيه ..فقال: الى هنا كافي فانا اشعر بشيء من التعب.انتهى.

دال: في الخطبة 16 عبر عما يعانيه من (المنحرفين) تجاهه ..فقال: .. وسوف يقولون لكم وقد قالوا فعلا لكم وللمجتمع ان السيد محمد الصدر لا يقصد ما يقول وانما يريد حفظ الظاهر وانما يعمل بالتقية..انتهى.

هاء: في الخطبة 18 عبر عما يعانيه من الانزعاج بسبب اثارة الشبهات والمشاكل ضده ..فقال: ما يمكن ان يحصل من التنافر والتناحر من امور مزعجة ومضاعفات مخزية ..انتهى.

واو: في الخطبة 32 احتج بالقران الكريم على ما يثار من الشبهات ضده ..فقال: وهذا المعنى القرآني يلقي ضوءا على ما قد يقال ضد السيد محمد الصدر..انتهى.

كان الشهيد الصدر يعاني من عدة جهات، من الدولة وحزبها وديكتاتورها المجنون.. ويعاني من الحوزة النجفية التي وجدت فيه تهديدا لمصالحها واستقرارها.. ويعاني من حوزات في الدول المجاورة، تريد ان تفرض سلطتها الدينية على العراقيين.. والاشد معاناته مع القواعد الشعبية التي لم تستوعب مشروعه الاصلاحي والتحرري.. غالبا.. وللحديث بقية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات