نهاية وجود فسيح في ضيق خاطري.. تضفي حلاوة على مرارة أيام تحاصرنا بإمتدادها اللانهائي.. تيهاً في خرم إبرة.. لأن العبارة تضيق عندما تتسع الفكرة
إشتقت لمرافئ الصبا، في شارع فلسطين.. حي المستنصرية، تلك التي عشتها منذ 48 عاما، حيث نكهة الزمان الأصيل، ما زالت تفغم حواسي، تطيب الأقدار الفظيعة، التي توالت في ما بعد على كاهلي، عبئاً مضافاً، يضاعف آلامي.. ذهبت زائراً لروحي المرهونة فيها على مدى خمسة عقود توالت الأقدار في تفتيت صخورها، وكواها سعير الأحداث فذاب الحجر سائلاً، من قمة جبل الحزن الى أدنى وادي الخوف المظلل بضباب لا يرى منه سوى غيمِ سحابٍ أغتمَ مسوداً!
آه يا شارع فلسطين.. حي المستنصرية، نهاية الوجود الفسيح، في ضيق خاطري، تحلو فيه مرارة الأيام وتتعطر نتانة الأحداث المحدقة بنا.. تلك التي حاصرتنا بإمتدادها اللانهائي.. تيهاً في خرم إبرة؛ لأن العبارة تضيق عندما تتسع الفكرة.
· حد الدنيا
“كون السلف ينشال شلته أعلة راسي”… ذاهباً الى ما فاتني، أستعيد الفارط من زمن أنسفح في الحنين “لا.. لا تسد الباب بوجوه الضيوف”.
إنبهرت طفولتي في السنوات الـ 5 وما زالت الـ 53 من عمري منبهرة، حتى اللحظة ببيتنا وأنا أراه للمرة الأولى، في شارع فلسطين.. إصطحبني إليه شقيقي الأكبر فاروق حداد.. رحمه الله.
يتأرجح على حد الدنيا، ولحظة يهوي، أصحو من يقظتي نائماً، أغفو على جناح الذكريات المحلقة، فوق غمام الكآبة التي إحتلت حيزاً فيزيائياً عميق المعنى يربكني؛ فأتزن متناغماً مع هوى الدهر وهو يتقلب بي من معتقل الى هروب خارج سلطة نظام الطاغية المقبور صدام حسين، أتهجى تضاريس العالم.. كهفاً كهفاً، أقرأ الغابات شجرة شجرة، وأوراقها تنوح باكيةً خوفي تواسيني في أصقاع الغربة التي لفظني إليها وطن، لم يكن من قبل ليحنو على أبنائه “من السما للكاع ذبتني دنياي” ينثرنا العراق وتشتتنا المنافي العاصفة.. هباءً.
· أحلام مرة
لم أفارق أصدقاء الطفولة رحيم الأسدي وخالد تقي ويوسف العاني وإياد وزياد صافي وعبادي حالف وعلي أمير الربيعي وعلاء ومحمد الربيعي وأبوجهاد وآل صكر الحيدر وووووو… احلى الأحلام في مرارة أيام أهفو الى عودتها؛ كي أرتشف من حنان ناسها المأزومين ومحبة الأهالي وهم يقاومون الظلم بالتكاتف، مهما كانت المعاناة.. فهل أعيش طفولة مكتنزة بـ 53 عاماً؛ كي أعاتب سواقي القرى وشواطئ البحار وحافات العدم التي بلغتها.. تلتهمني مرة وتلفظني مرات، و… حي المستنصرية يكحل قلبي المكتظ بتدفق الأسماء ومحبة الجيران، وهجاً يضيء ظلام خاطري، فتشرق صباحات فجر يكرر الذكريات.. خيالَ إغفاءةٍ في عب اليقظة، تموز نسائم وكانون دفء.. “أولئك أصحابي فجئني بمثلهم” وقد ولت الحقب لا تجود بما راح… “فليست عشيات الحمى برواجع.. إليك ولكن خلِ عينيك تدمعا” مكوثاً عند أطلال أماس ما زالت عامرة بقمرها المنير في شعاع خيالي اليقظ مطمئنا للموت والحياة في أحضان المستنصريين.