( في لوحات (اللوفر) والأيقوناتْ ، في أحزان عيون الملكات ، في سحر المعبودات …
كانت (لارا) تثوي تحت قناع الموت الذهبي وتحت شعاع النور الغارق في اللوحات)
عبد الوهاب البياتي
( وا حسرتاه ، متى أنام فأحسّ أن على الوسادة
من ليلك الصيفي طلاّ فيه عطرك يا عراق ؟)
بدر شاكر السياب
أبتلينا بشجار بين معلمين من زملاءنا في المدرسة يحدث بين الحين الأخر ، بسبب أن الأول كان يعشق قصائد بدر شاكر السياب وتجربته ، والثاني يتحمس ومعجب بتجربة عبد الوهاب البياتي ، والسبب انهما يمتلكان تسجيلان للشاعرين ، حيث يتصادف ان عاشق قصائد السياب اشترى مسجلة ليسمع عليها تسجيلا إذاعيا نادرا للسياب وهو يقرأ انشودة المطر ، فيما الثاني لديه تسجيلا اذاعيا حديثا للبياتي وهو يقرا قصيدته أولد وأحترق بحبي .
هذا الموال من النقاش والشجار بين هاذين المعلمين صار سمفونية متكررة. هذا يرفع من صوت السياب في مسجلته وذاك يرفع الصوت بأعلى بألقاء البياتي ، وكنت في هذا الشجار أجد أن شهية الاصغاء لشاعرين يقال أنهما عاشا ذات الصراع الخفي والعلني حول الريادة الشعرية في الادب العراقي الحديث ، وربما حتى بعد موت السياب بقيَّ بعض من رذاذ هذا الصراع قائما في ما ينشر من بحوث ومقالات حول الشعر الحر في العراق.
وهاهي قرية نائية في عمق الاهوار تعيد شجار الصحف والنقاد حول علاقة الرجلين ولكن عبر سماع قصيدتين ولكل واحدة في هذا الليل مزاج عندما يؤكد عاشق قصائد السياب في لجة شجار التلاسن بينهما أن شاعره اقرب الى هذا الليل بنبرة صوته في حزنها وحداثتها وانسانيتها ، وينادي على زميله :خذ البياتي هناك ، فلارا لا تصلح لهذا المكان ، بل يصلح لرجل يصنع من سعاله ما ينفثه المعدان من رئاتهم من رطوبة وبرد شتاءاتهم القاسية.
وبذات الحده يرد المتيم بشاعر لارا : البياتي صوت المظلومين ورسالته عالمية تصلح مع احلامنا ورغبتنا بالتحرر والذهاب الى مدن الحلم والحرية لاسيما أن ابي مات بالتدرن ولا اريد ان اعيد حزنه مع شاعر مصاب بذات مرض ابي.
وها نحن في حومة نزاع متكرر يقوم به المعلمان نيابة عن شاعر متوفٍ وآخر يعيش منفاه بين دمشق وعمان وغرناطة.
مرة سألني شغاتي عن سبب ارتفاع صوت المعلمين في ما يشبه الشجار وتطوع ليتدخل في اصلاح ذات البين.؟
قلت :شغاتي هذا شجار ثقافي حله صعبٌ عليك .
قال : ما دام هكذا قل لصاحبيك ان يأخذا شجارها الى المدينة ، مادامت قريتنا لا يهمها ما يتعاركان لأجله.
قلت :سأنقل لهم رغباتك.
امتثلا لرسالة شغاتي وقوله أن نقاشها الحاد وصوتهما العالي يتداخل مع شخير اهل القرية وراحتهم .
والآن وأنا اودع صدى جمال الاثنين ( السياب والبياتي ) حتى مع خلافهما ، أفتح للذكرى بابا وأتذكر ليل انشودة المطر والقط التتري لارا.
فأشعر بعطر ذلك الشجار الجميل عندما يكون الشعر سيوفه ورصاصه ورغبة الرجل الطيب شغاتي بحله وفق العرف العشائري….!