الخيانة، الخطيئة، الذنب، الفساد، كل شيء محرم مثل القتل والزنا وغير ذلك أبدع فيها استاذي الدكتور (عصام عبد العزيز) في كتابه(صلاة الملاك الساقط وليلة انتحار يهوذا) ميزة هذا الكتاب التي دفعتني لكتابة مقال تحليلي عنه، أنه يلقي الضوء على كل هذه الأبعاد، فهو رسم خريطة لكل الخطايا والذنوب بأسلوب الكاتب الليبرالي الحر الذي رصد واقعتين، إبليس وقد أقدم على التمرد والكفر والعصيان لرب العالمين، أما الواقعة الثانية فهي حادثة يهوذا الإسخريوطي الذي خان السيد المسيح (عليه السلام).
ولقد لفت نظري أثناء قراءة الكتاب عدة أمورفي الصورةيرسمها الكاتب أهمها:
أولا: أن معرفة الصورة الكاملة والمركبة والديناميكية لذنوبنا وخطايانا كبشر على سطح الكرة الأرضية والتي تؤثر وتدعم المنظورالتوسعي والتطرف للتيارات الأصولية. لا يجب أن تصرفنا عن الوعي ومعرفة التيارات المقابلة المعتدلة والتي تدعم السلام وترفض التطرفمن أجل عالم أفضل.
ثانيا: وفقا للفقرة أولا، إن العالم سينتهي بيوم حساب تقوم فيه أعمالهم وعليها يحاسبون.
ثالثا: لكل فعل جوهري من أفعال العبادة طابعه الاجتماعي.
رابعا: الكتاب يوضح بجلاء، بأنه يجب على الإنسان أيا كانت ديانته أن يلتزم بالقيم والأخلاق الدينية، لاسيما أن هذا التصور يحتاج إلى تعمق ومراجعة وتفكير عميق دفاعا عن القيم الأخلاقية والأسرة.
خامسا: أن هذه الرؤية جذورها الفكرية والتاريخية تتبنى مفهومايعكس علاقة المقدس بالتاريخ، وعلاقة الإنسان بالطبيعة والمجتمع.
سادسا: مواجهة خطايا وذنوب البشر وثقافة الاستهلاك كما يظن البعض.
سابعا: أن الشريعة لا تقتصر على علاقة الإنسان بالله (العبادات) بل تعني أيضا العلاقات بين الناس (المعاملات).
ثامنا: أن أمر الفضيلة وتجنب المحارم والخطايا مرتبط بعضه ببعض، ومرتكز على علاقة معينة قائمة ليس بين عناصر المجتمع فحسب، بل بين عناصر النفس البشرية المختلفة أيضا.
تاسعا: أن هوى النفس ووساوس الشيطان يجب صرفها، لأن الاسترسال فيها يجعلها مستساغة عند العقل، والغريزة تحي تجربتها.
بالتالي، أن الهوى والحق يتصارعان في النفس، والحق أقوى في ذاته، والهوى أقوى في قدمه وديمومته واستقراره في النفس، ولا بد للهوى أن يعمل عمله، ويبلغ مبلغه في أقصاء الحق ولو بالظلم، فإذا اجتمع سلطان العقل القامع مع الرأي الحق غلب وانتصر على هوى النفس. (كتاب العقلية الليبرالية ص24، عبد العزيز بن مرزوق الطريفي).
بلا شك أن الفكر الديني هو فعل بشري خاضع للظروف الاجتماعية والمتغيرات الخاصة بمنتجي هذا الفكر. من هذا المنطلق، فإن الفكر الديني نتاج للظروف الفكرية والاجتماعية لعصرها، ولا يوجد تاريخ للأفكار خارج هذه الظروف. أما الدين فهو حقائق ثابتة مقدسة لا جدال فيها. وبعيدا عن موضوعة تاريخ الفكر الديني، أن ملايين البشر يعدون الأفكار الدينية نصا إلهيًا. إزاء خطورة هذه الظاهرة، وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج وآثار، توضيحاً لطبيعتها وتأصيلاً لجذورها، وتنقيباً عن روافدها وبحثاً عن دوافعها ومثيراتها، تحليلاً لأسبابها للوقوف على مكامن الخطر سعياً للعلاج واتخاذ ما يلزم للحد من خطورتها، أو بالأحرى القضاء عليها. وإذا كانت المؤسسات البحثية في معظم الدول الغربيّة قد قطعت شوطاً كبيراً في هذا المضمار، فإن الساحة العلميّة العربيّة لا تزال خالية من الأبحاث والدراسات العلميّة والقانونيّة الدقيقة التي تتناول هذه الظاهرة بالدراسة والتحليل والتقويم باستثناء بعض الدراسات التي تُعدُّ محاولاتٍ قليلةً ظهرت في الآونة الأخيرة لتمثل تطوراً ملموساً في اتجاه البحث العلميّ العربيّ لهذه الظاهرة. في السياق ذاته واجهموضوع فك الارتباط بين الفكر الديني والدين نفسه، اختلافاتٍ واسعةً وكبيرة في المجال الفقهي والثقافي والاجتماعي، بل وحتى في المجال السياسي والقانوني، في معالجة هذه القضية بصفة حيادية.
ومن منظور سيسيولوجيّ لموضوع الأفكار الدينية، نلحظ أن كثيرا من هذه الأفكار أدت إلى خروج النسق الاجتماعيّ عن حالة التوازن، ونتيجةً لهذا يصبح المجتمع في حالة قلقة وغير مستقرة، في بيئة مهيأة لنشوب التطرف والعنف. بالتالي فإن الفئات التي تنخرط في العنف، هي تلك الجماعات التي تعيش على هذه الأفكار، أي التي تخضع بصورة كاملة لآليات صاحب الفكر.
الجدير بالذكر، أن الأفكار ليست ظاهرة جديدة خاصةً في العالم المعاصر، بل هي ظاهرة قديمة قِدم العالم الذي نعيش فيه، لذلك ترى حضور الأفكار في كثير من الخرافات والأساطير القديمة. بيد أن هذه ظاهرة تمسنا في حياتنا اليوميّة، لهذا نجد العالم بأسره محاطاً واقعيًّا بظاهرة الأفكار بل غارق فيها. لقد تمكن الفكر أيا كانت اتجاهاته وميوله، من أن يفرض نفسه موضوعيًّا في الخطاب اليوميّ لعصرنا الراهن، وانتشر في كل مظاهر حياتنا، وعلى مستويات عالمية، لاسيما أن العَلاقات الدوليّة وبسبب الأفكار وأزمة الفكر قد أصبح قسم كبير منها يتسم بعلاقات عنيفة وعدوانية تتجسد في شكل حروب وحشية متواصلة وقاسية، تحولت في أحيان كثيرة إلى حرب عصابات لا تُبقى ولا تذر، يمارس فيها الإرهاب السياسيّ والاضطهاد الأيديولوجيّ.