منذ جلسة البرلمان التي أنتجت برهم صالح رئيسا للجمهورية وعادل عبد المهدي رئيس وزراء مكلف، والعديد من صفحات “الفيسبوك” بين متفائل ومتشائم، لأسباب عديدة ولعل واحداً منها حجم الفساد والسرقات التي نعاني منها منذ 15 عاما، والتي اصبحت صفة تلازم الحكومات المتعاقبة وتجعل “عُبَّاد الله” العراقيين يفكرون الف مرة قبل الحديث عن “التفاؤل” بالقادة، فمثلا الجميع تغنى بالسيد العبادي حينما تسلم منصبه في العام 2014، واستمعنا حينها لكميات من الوعود والتعهدات التي لو نفذت، لكانت ابرز الوجوه الحاضرة في اجتماعات القوى السياسية والذين أصبحوا “عاملا إيجابيا” للعملية السياسية “بقدرة قادر” يقضون خلف قضبان العدالة.
قد يسأل الكثير.. اذا لماذا هذا التفاؤل بما حصل خلال جلسة البرلمان، ياسادة ان المنجز الذي تحقق ليس باختيار برهم صالح او تسمية عادل عبد المهدي، أبدا انما “بهزيمة” الحزب الديمقراطي وقائده “الانفصالي” مسعود البارزاني الذي تلقى اكبر “خيبة امل” حينما “خسر” المنافسة على منصب رئيس الجمهورية لتكون ثاني “نكبة” بعد “فشل” استفتاء التقسيم، في حين تمثل الإنجاز الاخر بانتزاع منصب رئاسة الوزراء من حزب الدعوة بعد 13 عاما، على احتكاره، وجميعنا نتذكر كيف خرج علينا في احدى المرات صاحب نظرية “استنساخ المالكي” عباس البياتي وهو يتحدث عن “حق الدعاة” في رئاسة الوزراء ليبلغنا بان “رئاسة الوزراء خط احمر ولن تخرج من حزب الدعوة حتى لو كانت هناك تظاهرات او تهديدات”، لكن البياتي تجاهل بان السياسات التي انتهجها حزب الدعوة والخلافات الداخلية بسبب الصراع على المناصب عجلت برحيله ودفعت شركائه الى ايجاد وسيلة للتخلص منه باقل الخسائر.
صحيح ان هناك العديد من الصفات المشتركة بين عبد المهدي وسلفه السيد العبادي، كالسياسة الناعمة و”الخجل” وعدم القدرة على المواجهة وهذا ماسيجعل “محاربة” الفاسدين امراً مستبعداً في المرحلة المقبلة، اضافة الى قضية مصرف الزوية التي عادت مرة اخرى الى “أذهان” المواطنين، على الرغم من اختلاف الروايات عنها، لكن هناك العديد من النقاط التي بالامكان استثمارها في “التفاؤل” ومنها عقليته “الممتزجة بالفكر الغربي” وقدرته على بناء علاقات متوازنة مع الجميع سواء كانت ايران او اميركا، التي حركت جميع اوراقها وجعلت مبعوثها بريت ماكغورك يقيم في بغداد من اجل “احتفاظ” حزب الدعوة بكرسي رئاسة الوزراء لكنها “فشلت”، كما ان “الخلفية السياسية” لعبد المهدي التي تجمع بين الفكر القومي والإسلامي ستساعد كثيرا في تقريب القوى السياسية و”تقليل مساحة الخصومات” التي كانت سببا في تدمير البلاد والعباد.
لكن الدرس الاخر الذي تحقق من خلال “معاقبة” البارزاني و”جوقة” المطبلين هو إيصال رسالة مفادها بان سياسة “لي الأذرع” او كما نسميها ” العنتريات” لم تعد صالحة للاستخدام وعلى الجميع معرفة حجمهم السياسي والاستماع لصوت “المنطق والعقل” بدلا من محاولة “الاستخفاف” بالآخرين وترشيح شخصية عليها الكثير من الاستفهامات ومنها تأييد فؤاد حسين للانفصال وعدم اعترافه بحدود العراق من خلال تصريحاته “المسيئة”، فكان على البارزاني الاستماع لنصيحة “الحلفاء” واستبدال ورقته الخاسرة قبل إصدار “بيان الهزيمة” الذي حاول من خلاله الظهور بموقف “المظلوم الذي تعرض للغدر”، لكنه تجاهل بان اصراره وتمسكه بمرشحه “الانفصالي” هو من رفع رصيد برهم صالح.
الخلاصة… ان “ليلة الوحشة” التي عاشها حزبا الدعوة والبارزاني كانت بسبب سياستهما والتمسك بكرسي السلطة وليس بفضل بعض ” المتملقين للسلاطين” كما يروّجون لأنفسهم، في حين كانت الحسنة الوحيدة هي طريقة “التبادل السلمي” التي غابت عن المشهد السياسي منذ سنوات.. اخيرا.. السؤال الذي لا بد منه.. هل سيتمكن عبد المهدي من تجاوز عقدة المحاصصة واستثمار اخطاء الحزبين في تعديل مسار الحكومة؟..