23 ديسمبر، 2024 10:34 ص

ليلة القدر سر إلهي

ليلة القدر سر إلهي

أن تعيين ليلة القدر على وجه اليقين متعذر، وهذا اﻷمر يجهله الكثير من المسلمين، نعم قد تقول أن أتباع مذهب أهل البيت ملتزمون في إحياء ليلة القدر في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان، وإن أتباع المذاهب اﻷربعة يحيون ليلة القدر في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، نعم هذا صحيح، ولكن هذا أعتمادا على أقوى الظن لا أكثر ولا أقل، إن القران الكريم يدعم هذا المعنى( وما أدراك ما ليلة القدر).
وقد تناول الشهيد محمد الصدر (قدس الله نفسه الزكية) هذا الموضوع من خلال خطبتين كاملتين في الجمعة التاسعة والثلاثين، حيث جاء فيها ما نصه:
[{” النقطة الرابعة : ان ليلة القدر لدى المتشرعة مرددة في ليالي شهر رمضان المبارك بين ثلاث ليالي. هي ليلة التاسعة عشر والحادية والعشرين والثالثة والعشرين من شهر رمضان، وليس في ظهور القرآن الكريم ما يعين هذه الجهة، وانما يشار فيه فقط الى كونها في شهر رمضان دون تعيين اي ليلة من لياليه.
نعم، الظن الراجح بالاطمئنان العرفي منعقد وموجود على عدم تعديه لهذه الليالي الثلاث. يعني انه بالتاكيد ليس ليلة اخرى خارجها بل هو منحصر في بعض هذه الثلاثة. ويمكن استفادة ذلك من السنة الشريفة كما سنذكر. كما لا يحتمل -كما هو واضح- تعدد ليلة القدر وان هذه الليالي الثلاث كلها ليلة قدر، لليقين بان ليلة القدر ليلة واحدة في السنة لا تزيد اطلاقا وانما فضل هذه الليالي الثلاث اما بعنوانها الذاتي يعني بغض النظر عن كونها ليلة قدر او باعتبار كونها طرف الاحتمال لكونها ليلة القدر لا ان تكون كلها كذلك.
النقطة الخامسة : اننا يمكن في هذا الصدد ان نخطو خطوة اخرى ونقول بانحصار احتمال ليلة القدر بين الليلتين الحادية والعشرين والثالثة والعشرين، بمعنى اننا نستطيع ان نؤكد على ضعف او سقوط احتمال ان تكون ليلة القدر هي في التاسع عشر من شهر رمضان المبارك فانه احتمال ضعيف وليس عليه حجة معتبرة فينحصر الاحتمال بالاطمئنان العرفي والمتشرعي بالليلتين الاخرتين اعني الحادية والعشرين والثالثة والعشرين وهذا هو المقصود من ما ورد من قولهم (عليهم السلام) : (ما ايسر ليلتين فيما تطلب) او يقول بحسب الرواية : (ما عليك ان تفعل خيرا في ليلتين) فان مثل هذه الاخبار دالة بوضوح على تردد ليلة القدر بين ليلتين وليس بين ثلاث ليالي كما عليه سيرة المتشرعة في ايامنا هذه ومن مدة غير معروفة، الامر الذي ينتج اسقاط الليلة التاسعة عشر عن الاعتبار من هذه الجهة وخاصة بعد الالتفات الى ان الليلتين اللتين يقصدهما الامام (عليه السلام) منحصر ايضا بالاطمئنان العرفي والمتشرعي في الحادية والعشرين والثالثة والعشرين ولا يحتمل الشمول لغيرهما باية حال، ولو كان الاحتمال متحققا في ثلاث ليال او اكثر لذكره الامام (عليه السلام) في حين انه لم يذكر اكثر من ليلتين.

النقطة السادسة : في محاولة تعيين ليلة القدر من هاتين الليلتين نفسيهما اعني الحادية والعشرين والثالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك وهذا كأنه يعتبر من الاسرار الالهية في نظر الائمة (عليهم السلام) ،لم يصرحوا به لاحد وانما اقصى ما فعلوه انهم حصروا الاحتمال بين ليلتين ولم يعينوا واحدة منهما اطلاقا، والمصلحة التي ندركها من ذلك امران على الاقل:

الامر الاول : زيادة العمل والعبادة والخضوع لله سبحانه فان الفرد اذا علم ليلة القدر بالتعيين عمل ذلك في ليلة واحدة واما اذا كانت مرددة في نظره بين ليلتين عمل ذلك برجاء المطلوبية في ليلتين فيكون عمله وتوجهاته لله سبحانه اكثر فيكون قد ربح اكثر مما خسر مع كونه قد احرز التوجه لله سبحانه خلال ليلة القدر الواقعية في علم الله سبحانه وهذا هو المراد من قوله (ما عليك ان تفعل خيرا في ليلتين) حتى تجمع عبادة الليلتين وليس عبادة ليلة واحدة.

الامر الثاني : اعطاء فرصة لمن لا يستحق العطاء او قل لمن يستحق الحرمان والخسران ان يخسر هذا الجانب المهم في الاسلام كمن يستثقل العمل في ليلتين فيترك العمل فيهما او في احدهما او كمن يحمله الشك والتردد بين الليلتين على ضعف العمل وقلة الهمة في التوجه والخشوع لله عز وجل الامر الذي يسبب عدم الوصول الى نفس النتيجة المطلوبة التي تحصل بالتركيز في ليلة واحدة.
الامر الذي ينتج بوضوح ان اغلب البشر او قل ان اغلب المتشرعة غير مستحقين للحصول على الثواب الحاصل من التركيز في ليلة واحدة معلومة اذ لو كانوا مستحقين لذلك لما اخفاه الله تعالى برحمته الواسعة فاخفاءه يدل على عدم الاستحقاق لا محالة وعلى اي حال فما دام التعيين بين هاتين الليلتين من الاسرار الالهية فانه سيكون من المتعذر بطبيعة الحال الوصول الى التعيين الا بتسديد خاص من الله سبحانه وتعالى لا يناله الا الاقلون عدد المرتفعون عند الله شأنا فان كان الفرد لا يستطيع تعيين ليلة القدر فاعلم انه ليس من اولئك المرتفعين عند الله شأنا لا محالة والمهم اننا بالتأكيد لا نستطيع ان نقيم دليلا شرعيا معتبرا على التعيين وان كنا نستطيع ان نقول ان الاقوى في اذهان المتشرعة هو تعيين الليلة الثالثة والعشرين ولذا يشعرون باهميتها ويسمونها القدر الكبير.”}] إنتهى