ما ان يزاح الخطر حتى تبدأ رحلة النسيان التدريجي، وتبدأ الشعوب بالشكوى من تصرفات، مفترضة، لمن ساهم في إزاحة تلك الأخطار.
لم تكن ليلة رأس السنة الجديدة للعام ٢٠١٤ في العراق بشكل عام، تشبه ما يعيشه العالم، فثمة دولة تولد على الأرض، لها عقيدة متطرفةيؤمن بها طيف واسع من الناس في المناطق (السنية) من العراق، فضلا عن امتداد هذه الجماعة عبر الحدود إلى سوريا. هذه الارهاصات،افضت إلى قيام (الدولة الإسلامية في العراق والشام) او ما يعرف ب(داعش).
وكيف لتنظيم إرهابي أن يسطو على دولة كالعراق ويهزم جيشها بقضه وقضيضه، ويسلب أسلحة ذلك الجيش والقوات الأمنية.
لحظة الهزيمة لم يساهم بها فقط داعش،؛ إنما كانت هناك عوامل عديدة ادت إلى نتيجة احتلال الإرهاب لمساحات شاسعة من العراقوبالتالي تأسيس دولته ( الإسلامية السنية)!
عوامل السقوط!
كثيرة هي الأسباب التي ادت إلى سقوط المدن وعزيمة القوات الأمنية ووصول الإرهابيين إلى تخوم العاصمة بغداد. غير اننا سوف نركز هناعلى ثلاثة عوامل رئيسية وهي توفر حاضنة اجتماعية للإرهاب، غياب العقيدة القتالية للجيش وفساد قادته، ودور البيشمركة في لحظاتالسقوط الأولى، حيث تعامل الحزب الديمقراطي الكردستاني مع الوضع المستجد على أنه فرصة ثمينة للانفصال بعد كسر هيبة الدولةالعراقية، وهو ما حصل على أرض الواقع ولكنه لم يتحقق.
هيكلة توازن الرعب!
في تلك الاجواء العاصفة، وصعود قوى الإرهاب، لم يعد للتجربة الديمقراطية في العراق عوامل قوة تذكر، فقد انفصل سنته على أرض الواقع،بينما الانفصال الكردي الرسمي بانت مقدم تلوح بوادره في الافق، وقد تجلت في حادثة الاستفتاء على ما اسمته أربيل (الاستقلال).
وفي العاصمة وجنوبها جيش مكسور وشعب مخذول ينتظر مصيره.
الفتوى التي غيرت مسير التاريخ!
ومصير الدولة بات كمصير مريض مات سريريا، جائت الفتوى لتكون بمثابة الصعقة الكهربائية التي تحي من لم يحن موعد وفاته بعد. ففيالثالث عشر من حزيران ٢٠١٤، نودي من صلاة جمعة كربلاء لفتوى جهاد كفائي، كانت نتيجته تشكيل الحشد الشعبي.
مقارنة بين الحشد والجيش!
جميع القوات الأمنية ساهمت في التحرير، بيد أنّ الفضل الأكبر يعود إلى الحشد الشعبي، فمن الحقائق والمسلمات أن الجيش، مثلا، كانيمتلك الأسلحة المتطورة، لكنه لم يغيّر في المعادلة شيء. بينما لم يمتلك الحشد في بداياته سوى الأسلحة البسيطة ولكنه استطاع إيقافالزحف الإرهابي ومن ثم تحجيمه واعادة الثقة في نفوس الجيش والقوات الأمنية بمختلف صنوفها.
عقيدة الحشد وسياسته!
تلك حقائق لا يمكن التعمية عليها او تغافلها، ولكن لا بدّ لنا من معرفة سر تفوق الحشد، سيما ان الجندي لا يختلف عن المنتسب في الحشدشجاعة او بطولة، فما الذي جعل الأول ينجز والثاني ينهزم؟!
في الحقيقة انّ فساد المؤسسة العسكرية نابع من عدم شعور بعض قادتها في الانتماء للتجربة والمشروع، وبالتالي فقد انعدمت العقيدة،وصار الجندي عبارة عن موظف ينتظر نهاية الشهر، بمعنى انه تحوّل إلى باحث عن فرصة عمل لا أكثر، ولا تعنيه التجربة السياسية فيشيء، وليس مهتما بموضوع مواجهة العقائد المنحرفة. في المقابل فقد جاء المقاتل الحشدي متطوعا للدفاع عن عقيدة يؤمن بها ودولة يواليهاويعدها خياره الأنسب. ومر هنا فجميع الدعوات الرامية لعدم زج الحشد الشعبي في السياسية، تندرج ضمن خانتين؛ اما تستهدف إفراغروحية الحشد من الحرص وبالتالي تحويله إلى مؤسسة شبيه بجيش ما قبل داعش، أو أن من يطلق تلك الدعوات بريء تأثر بموجة الإعلامالمضاد. فالانتماء السياسي والعقائدي للحشد هو عنصر القوة الابرز الذي يحقق للعراق قوته في المنطقة، ولا مبالغة في القول بأن الحشدالشعبي يمثل الجيش الحقيقي للدولة العراقية.
حل الحشد.. تفكيك للدولة!
والدولة تعرضت لمشروع ومؤامرة كبرى كانت تستهدف تفكيكها وتغيير خريطتها، وقد جائت الفتوى وتأسيس الحشد بمثابة المانع والصخرةالتي تحطم عندها ذلك المشروع. وطالما بقي الحشد بهذه العقيدة والانتماء فالدولة باقية.
إنّ مشروع حل الحشد الشعبي او تحييده سياسيا، يعد مكملاً لمشاريع كبيرة استهدفت عراق ما بعد ٢٠٠٣، ابرزها القاعدة وداعش. ونتائجالفتوى وفي مقدمتها تأسيس الحشد الشعبي، يعود لها الفضل في إسقاط تلك المشاريع. وأي تحييد او أضعاف لهذا الكيان الساند للدولة،يندرج ضمن خانة العودة إلى فوضى الإرهاب والانفصال والتقسيم. فهذه الفتوى والحشد الناتج عنها، اسقط مشروع انهيار الدولة وايتفريط بتلك النتيجة بعد تفريط بالدولة ووجودها .