تشير الأخبار من بغداد الى ان رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي قد رفع سقف مطالبه للقبول بالتفاوض مع الكورد وحل المشاكل القائمة بين الاقليم والحكومة الاتحادية ، مستفيدا من الوضع المضطرب في الاقليم وضعف الحكومة هناك . واستنادا الى تلك الاخبار ، فان شروط السيد رئيس الوزراء قد تضمنت إلغاء الاستفتاء، بإعلان رسمي صريح وتسليم جميع المنافذ الحدودية بما فيها المطارات للسلطة الاتحادية وتسليم واردات الإقليم النفطية وغير النفطية ، وواردات الجباية والرسوم لمؤسسات الحكومة الاتحادية في بغداد وتسليم كافة المطلوبين الموجودين في الإقليم والعودة إلى الخط الحدودي الإداري لإقليم كردستان قبيل عام 2003 وربط قوات البشمركة بوزارة الدفاع الاتحادية والتعهد بعدم إيواء المطلوبين للحكومة المركزية وعدم سفر أي مسؤول حكومي كردي خارج العراق إلا بموافقة الحكومة الاتحادية وعدم استقبال أي مسؤول دولي إلا بعد مروره في بغداد وموافقة الحكومة الاتحادية على ذلك .
ليس في صالح الدكتور العبادي الاستمرار في الضغط على الاكراد لأسباب متعددة ، داخليا هو بحاجة لهم اذا كان يعتبرهم جزءا من الشعب العراقي ، واقليميا ان لاينخرط بشكل اكبر في التوجهات الايرانية والتركية ، ودوليا حتى لايخسر التأييد والتعاون الدولي لحكومته ، لأن الغرب لايقبل بهزيمة كبيرة للكورد تخل بتوازن العملية السياسية.
ليس من الموضوعية بمكان الاصرار على ان يتعهد الاقليم بالغاء نتائج الاستفتاء الذي جرى في 25 ايلول من هذا العام ، الاّ اذا كان القصد اذلال وتسقيط السيد مسعود برزاني والقيادة الكردية في اربيل . ومن الناحية العملية والقانونية لا احد يستطيع ان يلغي نتائج الاستفتاء غير الذي صوت عليه ، بمعنى ان يكون هناك استفتاء آخر يصوت فيه الكورد بعدم رغبتهم في الاستقلال، وهذا أمر غير وارد لا في ذهن القادة الكورد ولن يقبل به الشعب الكوردي في العراق .
لا أحد يمكن أن يجادل ، بما في ذلك الحكومة المركزية في بغداد ،في حق الشعب الكوردي في تقرير مصيره وتحديد مستقبله و نظامه السياسي وفق ارادته الحرة ومن دون تدخل خارجي ، وان على المجتمع الدولي تقديم المعونه والدعم لمساعدته في بناء حياته الجديدة استنادا الى القانون الدولي . ولأستقرار هذا المبدأ وتطبيقه واقعيا بشكل متواتر ومستمر في نضال الشعوب ، اصبح من الحقوق الثابتة ، وهذا يعني انه اصبح من القواعد الآمرة في القانون الدولي وهي بذلك تكون واجبة التطبيق . وبدخول العهدين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية ، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حيز التنفيذ في 1976 ، توسع نطاق تطبيق حق تقرير المصير ليصبح عنصرا اساسيا في التمتع بحقوق الانسان الاساسية مثل الحق في الحياة والحق في العيش في حياة كريمه والحق في الحرية والصحة والتعليم وما الى ذلك من حقوق اساسية .
وفي حقيقة الأمر، لم يكن قرار افشال استفتاء الكورد قرارا عراقيا ، بقدر ما كان قرارا ايرانيا وتركيا بأمتياز ولعبت ايران فيه دورا مفصليا ، وانساقت اليه الحكومة العراقية بارادتها أو بغير ارادتها . أما المجتمع الدولي بما فيه الامم المتحدة فلم يكن ضد الاستفتاء من حيث المبدأ بقدر ما كانت يرى ان التوقيت غير مناسب بسبب ظروف الحرب على الارهاب ، وكذلك كان موقف الحكومة في بغداد اثناء فترة التحضير للأستفتاء . ان المجتمع المتمدن يتعامل مع مثل هذه القضايا بكل موضوعية واحترام ، ويدعو الى الحوار البنّاء باعتباره الوسيلة المثلى لمعالجة الاثار المترتبة عليه ، والابتعاد عن فرض الارادات بشكل قسري، لأنها ان نجحت مرة فستفشل مرات كثيرة.