23 ديسمبر، 2024 9:12 ص

ليس للمرأة توبة …!!

ليس للمرأة توبة …!!

يحدثنا القرآن عن التوبة ، ويفسرها أهل العلم بأنها تشمل الذكر والأنثى ، فكل أبن آدم خطَاء كما تخبرنا السنة النبوية الشريفة ، إلا أن التطبيق العملي يقول خلاف ذلك !
فعندما يُخطىء الرجل بل ويتمادى أحياناً في مغامراته فيتخير من المعاصي ما لذ وطاب ، وبعد أن يضيق ذرعاً بتلك الحياة يتوجه إلى باب التوبة .
وما إن يطرق الباب حتى تُفتح له الأبواب والنوافذ ويستقبل استقبال الفاتحين ، وربما في غضون أسابيع يصلي بالناس إماماً بعد أن تظهر آثار تلك التوبة على وجهه على هيئة ( لحية) !
لا بل تمحى جميع سيئاته حالما يتزوج أو يرتبط بفتاة !!
أما المرأة ، فإذا أخطأت ثم تابت _وهو أمر يحبذه ( الشرع) ويحث عليه القرآن والسنة_ تُغتفر بلا أدنى شك زلاتها إذا صدقت مع الله وكأنها لم تُذنب من قبل ، وهذا من كرمه سبحانه على عباده .
إلا أن المجتمع العربي الذي لا زال يعاني من (قلة الوعي والجهل ) لا يقبل للمرأة توبة!
ولعل سبب ذلك كون شرف العائلة مرتبط بها ،
فخطؤها يُضخم ويُضرب بمئةِ ألف أو يزيدون ويقسم على أفراد العائلة فتضيق بهم الأرض بما رَحُبت ، فيتساءلون ؛ ” كيف لها أن تجرأت وأقترفت هذا الخطأ بحق العائلة ؟؟” متناسين أن هذا الخطأ فردي وهو ناتج عن طبيعة بشرية ، فهي ليست من صنف الملائكة الذين لا يُخطئون ويفعلون ما يؤمرون فحسب !
فالمرأة إنسانة تُصيب وتُخطىء ولا يتحمل خطأها غيرها لكن مجتمعاتنا العربية أعتادت على تقبل أخطاء الرجل ، فهو عندما يُخطىء فإنما يُمارس تجارب جديدة عليه، يمكن أن يُخطىء فيها أو يُصيب دون لوم أو تأنيب أو مؤاخذة !
أما المرأة فهي دائماً موضع نقد ولوم ورقابة وإتهام، كلما خَطَت خطوة وجدت من يُحصي عليها خطواتها ومن يراقب تحركاتها . فإن حدث وأخطأت مس ذلك كرامتها وسمعتها ، رُغم أن الخطأ( خطأ واحد لا يتجزأ ) سواء أرتكبه الرجل أم المرأة .
فعندما تتعرض بعض الفتيات ( للتحرش ) مثلاً، يسارع بعض المعلقين على عبر وسائل التواصل إلى إلقاء اللوم على الفتيات ، وأتهامهن بأنهن يقمن بإغواء الرجال ..!
فنشاهد من التعليقات ماهو ظالم و متسرع ولا يقوم على معلومة دقيقة أو حتى شبه دقيقة .
فيكفي أن تخرج الفتاة لمكان عملها أو دراستها أو لحاجة تقضيها في الأسواق وغيرها حتى تكون عرضة ( للتحرش) بشتى أنواعه ، لفظياً كان أم جسدياً .
وعندما تتعرض ( للتغرير) فتنساق خلف أكاذيب وحبائل بعض الذكور ( المحترفين) ، فهي ليست متهمة فحسب بل مدانة أيضاً بغض النظر عن ظروفها الاجتماعية وعن الملابسات التي أوقعتها في حبائل أولئك المحترفين .
لا يوجد بين يدّي أعدادٌ دقيقة ولكني أعتقد أن معظم الفتيات في مجتمعاتنا العربية يفتقرن إلى المهارات الاجتماعية التي تمكنهن من معرفة مايدور في ” عالم الذكور” ، ومعظمهن ربما يكُن أقرب للعفوية والبراءة من الناحية الفعلية .فالفتاة التي تعيش في عالم منعزل( فُرِض عليها) قد تتصرف إما عن جهل أو براءة مع الرجال، فهي لا تعرف كيف يفكر بعض الذكور في مجتمعنا، فتقودها براءتها تلك وجهلها إلى الوقوع ضحية لأستغلال شخص أحسنت الظن به في إطار تعامل حياتي إنساني عادي يمكن أن يحدث بين أي شخصين بغض النظر عن وظيفتهما ، كما هو الحال بين زبونة وبائع أو أستاذ وطالبة أو مريضة وطبيب أو أي تعامل تفرضه الظروف الحياتية. ولكن عندما يتحول هذا التعامل العادي إلى علاقة أخرى ، ترتفع الأصوات التي تُدين الفتاة ( وحدها) ، وترى أن تصرف الذكر طبيعي لأن الفتاة هي من وضعت نفسها في مواضع الشبهة والخطر !

أن القيم لا تتجزأ والسلوك لا يتجزأ والضمير يجب أن يحكم كل سلوكنا، والتقاليد التي نريد أن نحافظ عليها داخل بيوتنا يجب أن نحافظ عليها في بيوت الأخرين . علينا أن نعي أن كل من يرتكب الخطأ ( مُدان) ولكن بحجم خطئه بعيداً عن الأحكام المسبقة الجاهزة . فإن حدث وأخطأت المرأة فهي من تتحمل خطأها، وإن أخطأ الرجل فهو من يتحمل خطأه. أما تحميل الفتاة الخطأ لوحدها رغم مانعرفه من ظروف التهميش الاجتماعي الذي تعاني منه معظمهن ، والذي قد يحرمها أحياناً من إتقان مهارات التعامل مع محيطها ، فهو ظلم أضافي تتعرض له المرأة بشكل تمييزي فنحن كمجتمع نجد الألف ألف عذر للرجل عندما يُخطىء ، ونردد ” الرجل ما يتعيب” و ” الرجل شايل عيبه” !
وعندما تقع المرأة بنفس الخطأ نتهم والديها وعائلتها بسوء التربية والأهمال فيكبر الخطأ ليصبح ” كبيرة” ، فإن تابت تبقى الخطيئة في ذاكرة الناس لأنها إذا تابت لا يمكنها أن تُربي( لحية) !