23 ديسمبر، 2024 6:02 م

ليس لأنه جدي إنما المؤمنون بضعة من الحسين

ليس لأنه جدي إنما المؤمنون بضعة من الحسين

إلتمس المؤمنون، في بقاع الارض.. على مر الزمان، قيمة ان يخاطب المفكرون شعوبهم، بالوعي، وأن يتوجهوا للظالم بالسيف.. إنتحارا شرعيا يثابون عليه؛ لأنه يسهم بإنقاذ شعوب.
بحساب فارق القوة والعدة والعدد؛ فإنها التهلكة الشرعية، التي لا تشملها الآية القرآنية: “وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ”. البقرة:195
تلك الخلاصة توصلت لها، كتعريف شخصي، لمعنى ثورة جدي الامام الحسين بن علي.. عليهما السلام؛ لأنني نشأت في حاضنة علوية، تضافرت من حولي التعريفات.. معظمها عاطفي، يضفي على الثورة، انزياحا معنويا أسيانا.. مغرقا بالتهدج البكائي، الذي فطر طفولتي على جمال صوت النواعي، قبل أن أشب قارئا فأدرك القيمة الفكرية للثورة، التي تمثلتها، في واحدة من التمظهرات التي أدت بي الى مغادرة العراق، ولم أعد الا بعد سقوط الطاغية المقبور صدام حسين؛ تحاشيا للمكوث بين يديه، كما امرت الآية الكريمة: “ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها”.
ولو لم أكن علويا.. شجيريا موسوي النسب؛ فإن معاني ثورة ابي عبد الله، مشاعة، حق للعربي والاعجمي.. مسلما أم غير مسلم، ان يتمثلها، ويعيد تشكيل ذاته، من وحي هديها المبين؛ فهي ثورة على الذات الجبانة، تشجعها؛ بدليل، حتى من خذلوا الحسين.. عليه السلام، عادوا وانتفضوا على ذواتهم، عقب اربع سنوات، من تأنيب الرجولة، لإيمانهم؛ فوقعت ثورة التوابين، بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي، العام 65 هـ.
وبتحجيم ثورة كبرى، مثل “التوابون” على قدر ذاتي بسيط، فإن كثيراً من سلوكنا الاجتماعي، يجب ان يحتكم الى شجاعة الحسين، وهو يتجرع الموت غصة، فغصة، باكيا على قتلته؛ لأنهم سيدخلون جهنم، بعنادهم ضده، وكسيفا لجهل من وقفوا على الحياد، أوان يجب ان يختاروا الله والاسلام ورجولتهم؛ فتبرأوا من ثلاث قيم، لا حياة لرجل بالبراءة منها؛ حين قصروا عن نصرته.
ليس جدي وحدي، ولا جد العلويين؛ كما قال الرسول.. صلى الله عليه وآله: “سليمان منا أهل البيت” إذن ثمة إنتماءات وجدانية، تنقل النسب من ظهر ناسله، الى فلسفة الانتماء الواعي الذي يستشهد الانسان في سبيله مطمئنا.
غرس الحسين.. عليه السلام، نبتا في ارض سبخ جدباء؛ تنكر الرجال لدعاواهم إياه، حالما رأوا سيوف إبن زياد يشهرها، واعدا بدنانير يزيد بن معاوية.
سيف مصلت ودينار مرتقب.. تبلبلت أفكار الرجال؛ طمعا وجبنا، لكن الحق يعلو ولا يعلى عليه؛ إذ ثار المختار الثقفي، طمعا بالسلطة، وليس حبا بالحسين، لكن بالنتيجة، حقق ما يصبو اليه مريدو ابي عبد الله، تماما مثلما اسقطت أمريكا الطاغية صدام؛ لأسبابها هي وليس تحريرا للعراقيين، لكن بالنتيجة، حمدا لله أننا تحررنا منه.
هكذا يفهم التاريخ، ويعيد الحسين ثورة ناجحا، انتصر مستشهدا، يرسل ذبذبات النصر، الى ما بعد نهايات الزمان والمكان، خالدا، بينما لا يتضاد معه الا خاسرا حسيرا.. أبتر منقطع الذكر.
إنه جدي وهذا شرف مضاف، أوسس عليه، من دون ان احمّل الآخرين مسؤوليته، انما هو مسؤولية عليّ أنا ان ابر نسبي والتزم مستوى سلوكيا يجل هذا النسب، فلا يحق لي ما يحق لسواي، وتتوجب عليّ أعباء قد يتخفف منها الآخرون؛ لأن قدري أنني إبن علي المرتضى وفاطمة البتول وحفيد الحسين وأخو الحسن المجتبى، كما خاطب بنو إسرائيل، مريم.. عليها السلام: “يا أخت هرون” إشارة قرآنية شريفة الى كرم محتدها، من نسل موسى.. عليه السلام، يوم جاءتهم بمولودها عيسى، في القمائط، من دون رجل يمسسها.
إنها كرامات، تضاف الى نعم الله.. علينا.. ان نبرها، ولا نَعِقّ ذواتنا؛ فإننا لا نضر الله شيئا؛ لأن الخير من الله والشر من ايدينا؛ بعد ان أهدانا النجدين “فإما كافرا وأما شكورا”.
أشكر الله لأنه أسبغ عليّ، وعلى من شاء ان يهتدي، نعمة التفقه برحمة الحسين، وهو يبصّر أعداءه بمآلهم، من دون ان يغمد سيفه عن مجابهة الظلم والباطل.