27 ديسمبر، 2024 1:32 م

الثوار! كثيرون في هذه الأرض منذ قديم الزمان، وإلى يومنا الحاضر. وكذلك الثورات! ويستطيع أي إنسان – إذا كان لديه شيءٌ من العزة، والكرامة، والإباء – أن يثور على الأنظمة الطاغوتية، وعلى الحكام المستبدين، وأن يثور على المجتمع، وعلى تقاليده، وعاداته، وأن يتمرد على عقائده، وقيمه، وأخلاقه – سواءً كانت عقائد سماوية أو أرضية – أو أن يثور على الفساد المتعشش في أوصاله، وعلى الظلم الذي ينخر في أركانه.
كل هذا! يمكن أن يفعله عوام الناس، والطبقات الدنيا في المجتمع، حينما تنطلق هائجة ثائرة؛ لأجل لقمة العيش المفقودة، وضد الغلاء الفاحش في أسعار الأغذية. وأحياناً قليلة جداً لأجل قمع الحريات، ومنع التعبير عن الرأي والفكر.
فالثورة! ليست أمراً صعباً، ولا مهمة مستحيلة، ولا تحتاج إلى مؤهلات خاصة، ولا إلى كفاءات استثنائية، ولا شهادات جامعية، ولا خبرات فنية.
فبمجرد أن تضيق الظروف المعيشية، والأحوال الاقتصادية بالناس في أي مجتمع من المجتمعات البشرية، وينتشر الفقر المدقع بين أغلبية الناس، ويصبح الناس لا طاقة لهم على تحمل مرارتها، فإنهم ينفجرون، ويهرولون، ويتسابقون إلى الشوارع، والطرقات، ويحتشدون في الميادين، متظاهرين، ومحتجين، ومنددين بالأوضاع المأساوية السائدة في هذا المجتمع.
وقد يحتشد مع الثوار، كل طبقات المجتمع المثقفة، والمتعلمة، وعمال البناء، والنظافة، والفلاحين، وصغار الكسبة، والطلاب، والشباب الصغار، وكل من خنقته ولسعته الأوضاع المعيشية، دون تفريق بالأفكار، والعقائد التي يحملونها.. فالكل يجمعهم هدف واحد، هو: الضائقة الاقتصادية، والاستبداد، والطغيان، وانعدام الحريات.
ولكن السؤال الكبير، والهام جداً، هو: هل كل هؤلاء الثائرين هم أحرارٌ؟ أم هم خليط من الأحرار والعبيد؟ أم هم فقط عبيد؟
وحتى تتبين لنا معالم الطريق، وتتوضح لنا الصورة، بجلاء دون أي غموض، ولا التباس.. يجب أن نبين من هو الحر، ومن هو العبد؟

من هو الحر؟

الحر! هو كل إنسان لا يخضع لأي عبد مثله، ولا يُطيع أية أحكام، أو قوانين، أو أية تعليمات يصدرها ذلك العبد، وتتنافى، وتتعارض مع أحكام الله تعالى. ولا يخضع للشهوات، والأهواء، والعادات، والتقاليد الجاهلية.
الحر! هو الإنسان العاقل، المفكر، الواعي، الذي لا تغريه مظاهر الدنيا البراقة، ولا تأسره المناصب، والكراسي، ولا ينساق مع القطيع، وراء خرافات، وأساطير، وقصص خيالية، من تأليف المشعوذين، والكهنة، والعرافين، والسحرة، والدجالين.
الحر! هو الذي لا يُصدق خرافات الشيعة الرافضة، التي تزعم أن علياً هو الله، أو تزعم أن الإمام الثاني عشر، قد دخل السرداب منذ ألف ومائتين سنة، وكان طفلاً صغيراً، ولم يخرج من السرداب، ولا يزال حياً فيه، حتى الآن.. وسيأتي يومٌ، ويخرج منه، ليكون هو المهدي المنتظر.
وهذا كله مخالف لكلام الله تعالى ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ العنكبوت 57. فكيف يكون حياً، وهو في نفق مظلم، أو جُحرٍ معتمٍ؟ وما الدليل على حياته؟!
ولكن عبيد الشيعة الهمل، يصدقون هذه الأكاذيب، ويؤمنون بها.. بل يعتقدون اعتقاداً جازماً، بأنه كلما استحر القتل في المسلمين، وكلما نزفت دماؤهم بغزارة.. كلما عجل الله لهم الفرج، وأخرج مهديهم بسرعة من سردابه! ﴿انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا﴾ النساء 50.
والحر! هو الذي لا يصدق خرافات أهل الكتاب، النصارى، الذين يزعمون أن المسيح عيسى بن مريم، هو: الله أو أنه ثالث ثلاثة، أو أنه ابن الله، سبحانه وتعالى عما يُشركون.
كما لا يصدق خرافه صلب المسيح عيسى بن مريم، ولا يصدق هذه التناقضات العجيبة الغريبة، بين كونه إلهاً، أو ابن الله، ثم يُصلب!
فهل يرضى أي ملك بشري، على وجه الأرض أن يُصلب ابنه؟ أو أن يُشاركه في الحكم أي مخلوق آخر حتى ولو كان ابنه؟ فبالأولى أن لا يرضى الله تعالى أن يشاركه إله آخر، بله مخلوق؟ وهو الذي يحذر أشد التحذير من اتخاذ إلهين اثنين ﴿وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ النحل 51.
إنها ترهات، وخرافات، وأكاذيب، ما أنزل الله بها من سلطان، ولا يصدقها حتى الطفل الصغير، والله تعالى العليم الخبير البصير، الذي خلق عيسى، وخلق كل البشر، من آدم وحتى الآن، وإلى يوم القيامة يقول: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ الزمر 4.
وقال سبحانه مكذباً خرافات وافتراءات النصارى ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ﴾ المائدة 72.
﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ المائدة 73.
والحر! هو الذي لا يصدق خزعبلات، وخرافات الهندوس، الذين يؤمنون بقداسة البقرة، وقداسة روثها، وبولها، ويتمسحون بقاذوراتها.. بل ويأكلونها بقصد التبرك بها، وشفاء الأمراض المستعصية، كما كان يفعل سدنة الأوثان قديماً، ولا يزال يفعله سدنة القبور حالياً في بقاع الدنيا كلها، حتى لدى أفراخ المسلمين الهمل، الجهلة؛ حيث يتبركون بقبور الموتى الذين يزعم سدنتها؛ أنهم أولياء وصالحون!
والحر! هو الشخص الذي يتحرر من كل هذه الوثنيات الجاهلية الآنفة الذكر، ومن كل الموبقات، ويعلن عبوديته الخالصة للخالق، الذي خلق كل المخلوقات، أحراراً، على حد سواء.. ويعلن دينونته، وخضوعه الكامل لملك الملوك، ورب السماوات والأرض، ويستعلي على العبودية المهينة لأي مخلوق مثله ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ الأعراف 194.

ومن هو العبد؟

هو الذي يستنكف، أن يكون عبداً لله، ويرفض العبودية، والدينونة له؛ استكباراً، وعتواً، وغطرسةً، وكفراً، وغروراً؛ بأنه ليس بحاجة إلى ربٍ يعبده؛ وأنه غني عن نعمائه، وآلائه؛ وظناً منه أنه هو الأقوى – كما ظنت عاد قوم هود قديماً – ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ فصلت 15.
والعبد! هو الذي ينغمس في مستنقع الشهوات؛ فيعب منها عباً، ويتمتع بالملذات الحسية المادية، كيفما يشاء، من غير اهتمام إن كانت حلالاً أو حراماً، كما تتمتع الأنعام ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ﴾ محمد 12.
والعبد! هو الذي يخضع، ويستسلم، ويخنع للعبيد من أمثاله.. فيطيعهم، وينفذ أوامرهم، دون تفكير، ولا تدبر، ولا تعقل، ويسعى بكل جهده لإرضائهم، والحصول على حظوة عندهم، لقاء فتات من الدنيا، يُرمى إليه كما ترمى العظام للكلب!
والعبد! هو الذي يعلن أنه مسلم.. ويصلي، ويصوم، ويؤدي الطقوس والشعائر التعبدية على أتمها، ولكنه يتخذ الجبت والطاغوت، إماماً له.
ويطيع الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، ويشرعون تشريعات مناقضة، ومعارضة، ومضادة لشرع الله، ويتخذهم آلهة من دون الله. كما كان يفعل أهل الكتاب مع أحبارهم، ورهبانهم.. حينما اتخذوهم أرباباً من دون الله.
وقد عاب الله تعالى عليهم ذلك السلوك المشين، وشنَّع عليهم فعلتهم الآثمة الكافرة فقال: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ التوبة 31.
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم، معنى عبادة الأحبار والرهبان – ومنها الحكام – بشكل واضحٍ، وجلٍ في الحديث (عن عدي بن حاتم قال: أتيت رسولَ الله ﷺ وفي عُنُقي صليبٌ من ذهب، فقال: يا عديّ، اطرح هذا الوثنَ من عنقك! قال: فطرحته، وانتهيت إليه وهو يقرأ في “سورة براءة”، فقرأ هذه الآية: ﴿اتخذوا أحبارهم ورُهبانهم أربابًا من دون الله﴾، قال قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدُهم! فقال: أليس يُحرِّمون ما أحلَّ الله فتحرِّمونه، ويُحلُّون ما حرَّم الله فتحلُّونه؟ قال: قلت: بلى! قال: فتلك عبادتهم!).
وبناء على هذا التوصيف الدقيق، المطابق للمنهج الرباني في وصف الحر والعبد.. نستطيع أن نقرر تقريراً قاطعاً، وحاسماً.. بأن جميع الذين قاموا بالثورات عبر التاريخ من غير المسلمين – سواءً الثورة الأمريكية ضد الاحتلال البريطاني عام 1776 أو الثورة الفرنسية ضد الملكية والكنيسة عام 1789 أو الثورة البلشفية ضد القيصرية الروسية 1917 أو الثورة الخمينية ضد شاه إيران عام 1979 – كلهم عبيدٌ؛ استخدموا أساليب العبيد في التعامل مع الناس، وكانوا يؤمنون بالجبت والطاغوت، ويعبدون آلهة وثنية من دون الله.
وكانوا يقتلون، ويذبحون من يخالفهم، حسب أهوائهم، وحسب مزاجهم، وحسبما تمليه عليهم مصلحتهم الشخصية.
وأما الثورات العربية الأخيرة! التي انطلقت من تونس في أواخر عام 2010 ثم انتقلت إلى مصر، وبعدها ليبيا، ثم اليمن، ثم استقرت في سوريا أوائل عام 2011 ، فإنها كانت تحتوي خليطاً من العبيد والأحرار.
فالأحرار! جابهوا الطغاة بقوة وبعزيمة، ومضاء، وبصلابة لا تلين، وشجاعة، وجرأة، وبسالة لا مثيل لها..
فمنهم من قضى نحبه في المظاهرات، أو في الاشتباكات المسلحة، مع جنود الحكام السفلة، الظلمة، الفجرة..
ومنهم من وُضع في القيود والأغلال في السجون المظلمة..
ومنهم من حُكم عليه بالإعدام؛ ظلماً وعدواناً..
ومنهم من مات تحت التعذيب في سجون الطغاة..
ولم يبق في الساحة – وا حسرتاه – إلا الحثالات، وأراذل الناس، وسفلتهم، هم الذين يسيطرون على المشهد العام.. وأولئك هم عبيد العبيد، وقليلٌ جداً من أحرارٍ، لا يملكون حيلةً، ولا يهتدون سبيلاً.