منذ ظهيرة يوم الجمعة الماضي 2122011 وبعد خروج المصلّين من الجامع في قضاء زاخو بدأ عهد جديد بين العلاقات المسيحية والكردية في شمال العراق ( منطقة الحكم الذاتي ) وهي بالتأكيد أستحقاقات ظهرت للعلن بعد محاولات تغطيتها طيلة السنوات العشرين الماضية عندما رأى المسيحيون أنفسهم فجأة خاضعين لأدارة حكم جديد لم يعهدوه من قبل , ولم يؤخذ رأيهم في ذلك رغم أنهم أصحاب الأرض ووجودهم في المنطقة يمتد لآلاف السنين , وأقصد به حكم الأحزاب الكردية ومليشياتها المتعطّشة للعيش الرغيد وهي التي نمت وترعرعت في جبال وكهوف كردستان منذ ما يقارب الثلاثون عاما قضتها في معظم هذه السنوات وهي حاملة السلاح تصارع معظم الحكومات التي توالت على حكم العراق ما بعد ثورة عبد الكريم قاسم .
وأثر هذه الحوادث التي بدأت في زاخو وطالت ممتلكات المسيحيين حصرا , وسرعان ما أمتدت الى كافة أنحاء محافظة دهوك بتنسيق غريب !!! صرّح السيد مسعود البارزاني في دهوك قائلا :
“انا منذ اكثر من 20 سنه لم احمل السلاح لكن بعد احداث زاخو وسميل ودهوك انا ساكون اول من يحمل السلاح، مادامت المساله وصلت فوق خط الكفر”.
ولا أحد يشك بمقدار الغضب الذي ألمّ بالرئيس البارزاني الذي عُرفَ عنه هدوء شخصيته ومقدار الجهد الذي يبذله في الدفاع عن مصالح كردستان , وكذلك جهوده الواضحة في التوفيق بين أطراف العملية السياسية في بغداد ورجالاتها الذين تتقاذفهم أهوائهم ومصالحهم الشخصية والطائفية وتدخلات الدول المجاورة , لذلك كان من حقه أن يغضب ويتفاجأ بما حصل في زاخو ومحافظة دهوك , وهو الذي كان يعتقد بأنه بنى بناءً راسخا في كردستان, كما أنه كان حريصا على بناء سمعة جيدة لأدارته كل هذه السنوات ليظهر أمام العالم الخارجي وخاصة الدول الغربية بعلمانيته وديمقراطيته وحكم القانون .
قد يكون ما يقوم به الرئيس البارزاني في كردستان لا يُقارَن بما يحصل في بغداد من سوء أدارة حكم الذي ينتشر فيه الفساد الأداري والسياسي , وتغليب المصالح الشخصية وا٧لشخصية والطائفية والفئوية على المصالح العامة , وهدر مليارات الدولارات دون معرفة أوجه صرفها , نعم هذا قد لا يكون موجودا في كردستان بالدرجة والوضوح نفسه , ولكن ما حصل في كردستان طيلة العشرون سنة الماضية من الأستقلال لم يكن في مستوى الطموح ولم يتناسب ومليارات الدولارات التي أستلمتها حكومات الأقليم من الحكومة المركزية أضافة لمليارات الدولارات الأخرى من واردات النفط من التصدير المباشر للحكومات الكردية من نفط الشمال , لا سيّما ما بعد الأحتلال الأمريكي ؟ وهل صُرِفت في الوجه الصحيح ؟ وأستخدمت الأستخدام الصحيح ؟ وهل بُني الأنسان في كردستان البنيان النفسي والتربوي والأخلاقي الذي يتناسب والتطور العالمي حسب معايير القرن الحادي والعشرين ؟
أن ما حصل يوم الجمعة 212 2011 , هو برأيي ثمرة طبيعية للشجرة التي زُرِعَت منذ سنين وكما يقول الكتاب المقدس في لوقا 6 : 43 , 44 (( ما من شجرة طيّبة تثمر ثمرا خبيثا , ولا من شجرة خبيثة تثمر ثمرا طيبا . فكل شجرة تُعرَف من ثمرها , لأنه من الشوك لا يجنى تين , ولا من العلّيق يقطف عنبا )) . فالغوغاء الذين خرجوا ظهيرة يوم 212 وقاموا بأحراق وتدمير محلات وفنادق ومطاعم المسيحيين في زاخو وبقية محافظة دهوك , أنما هم الثمرة الرديئة للشجرة الخبيثة التي زرعها وسقاها شيوخ الجهالة والظلام الذين تُرِكوا ع� تُرِكوا على هواهم , فعوضا عن زرعهم المحبة والألفة بين الناس وبين مواطني الدولة الواحدة , زرعوا الكراهية والحقد , وبرأيي أن المتهمين في هذه الأعتداءات ليسوا هؤلاء الشباب الغوغاء , بل هم أولئك الشيوخ الذين أستخدموا منابر جوامعهم لزرع الفرقة بدل الألفة والكره بدل المحبة .
كما وأن الحكومات الكردية المتعاقبة منذ 1991 حاولت وتحاول تقديم أفضل الخدمات لأبناء كردستان, ولكنها أهملت الموضوع الأهم وهو تربية أبنائها التربية الأنسانية , وزرع روح الألفة وتربية التعايش والقبول بالآخر , فحال هذه الحكومات كحال الأب الذي يعتقد بأن تربية ابناءه هي في توفير البيت الفخم والملابس الفاخرة والسيارات الحديثة ويستخدم ما أنعَمَ عليه الله من الأموال والثروات في ملذاته وحاجاته الشخصية , ولكنه يهمل أمرا مهما وهو تعليم أبنائه وتثقيفهم وتربيتهم تربية صالحة يتعايشون مع جيرانهم ومجتمعهم ومن ثم أدخالهم المدارس والجامعات والأهم مراقبته لهم وتحذيرهم من أصدقاء السوء الذين يكونون سببا مباشرا لأنحراف هؤلاء الأبناء .
لقد نشأ جيل الشباب الكردي الحالي وهو مشحون بالكراهية لكل ما يرتبط بوطنه منذ الأزل وهو العراق , ورُسِّخَت فيه صفة تميّز الجنس الكردي جعلته يشعر وكأنه فوق مستوى بقية مواطنيه من القوميات والأديان الأخرى , رُسِّخَتْ فيه مبادىء قو٩ جعلته ينظر بأستعلاء الى بقية القوميات الأخرى التي يتألف منها وطنه ورُسِّخَت في عقله أفكار ومبادىء يؤمن بأن من حقه أمتلاك أي شيء طالما يستطيع ذلك !!!! وتعززت هذه المفاهيم في الشخصية الكردية بعد الدعم المطلق من أمريكا ولا سيّما ما بعد أحتلالها للعراق , ومع الأسف كانت تلك سياسة الحكومات الكردية نفسها منذ سنة 1991 والدليل الأستيلاء اللاشرعي لعشرات القرى وآلاف الدونمات من الأراضي العائدة للمسيحيين والمتجاوز عليها من قبل الأكراد في شمال العراق ورغم المطالبات المتعددة من قبل أصحابها الشرعيين ألا أن الحكومات الكردية لم تعمل شيئا لحل هذه المشاكل , وكانت هذه أيضا سياسة الأكراد حتى مع حلفائها في العراق الذي أسسته أمريكا ما بعد الأحتلال رغم أنهم جميعا في مركب واحد هو المركب الأمريكي , حين ظهرت الخلافات وتأزّمت العلاقات بينهما حول ما يدعوه الأكراد المناطق المتنازع عليها !!!! .
هذه جميعها كانت عوامل أساسية جعلت هؤلاء الغوغاء الذين ترسّخت في أذهانهم بأنهم يملكون كل الحق في كل شيىء يحيط بهم أو موجودون فيه وأنه من حقهم في أمتلاك ما هو للمسيحيين طالما يستطيعون ذلك !!! أو الأعتداء على ممتلكاتهم وتدميرها , أن لم يستطيعوا الأستيلاء عليها .