23 ديسمبر، 2024 1:16 م

ليس بالألسن وحدها يصنع التغيير..

ليس بالألسن وحدها يصنع التغيير..

في العراق, كان ولا يزال مفهوم التغيير, مفهوما ممجوجا, لا تستطيع آلة التحليل الفكري عند الفرد العراقي, التعامل معها بإيجابية عقلانية واضحة؛ فالكل يعتقد بأن التغيير معناه تهديم ماهو قائم, مع أن ما هو قائم, عادة يكون عبارة عن مجموع متراكم من السلبيات, يستصرخ الضمائر والعقول والإرادات, من أجل السعي للتغير نحو الأفضل.

هذه الفوبيا التي يعاني منها المواطن العراقي, تجاه مفردة التغيير؛ ساهمت الكثير من العوامل السياسية والتاريخية والتربوية والبيئية, في عملية تنشئتها وتكوينها عند الفرد, يضاف الى ذلك, حالة التطبع التدريجية, للعقلية العراقية, على القبول الفطري التاريخي, للبنية والهيكلية المكونة لفكرة الاستبداد والدكتاتورية,في أنظمة الحكم المتعاقبة على هذا البلد؛ وهي حالة ساهمت أجهزة الحكم والتسلط في هذا البلد, وعلى مدى قرون طويلة؛ على تنشئتها وتثبيتها وترسيخها في ذهنية المواطن العراقي, حيث أضحى العقل السياسي التحليلي للفرد العراقي جامدا, ومتوقفا بشكل كلي, عن التفكير في مفهوم البديل والتغيير؛ وفي أقصى حالات فهمه للتطورية, كان يصل إلى مفهوم التغيير عبر آلية الثورة, وبكل ما تحمله هذه الثورة من نمطيات وتشكلات: سياسية, عنفيه, عسكرية مسلحة؛ ويقف عندها, ويتوقف بجمود ممارساتي وفكري غريب؛ لكي يبقى يعيش في دوامة الارتداد الثوري, من الثورة بمعناها الإيجابي الفعلي الحركي, إلى الثورة بمعناها الخطابي ألقولي, اللساني النقدي دوما؛ ومع الأسف, لم تتعود هذه العقلية على التعامل مع مفهوم التغيير, من منطلق الأدوات السياسية الديمقراطية, ما بعد العنفية؛ بل إنها تعجز تماما عن التفاعل في خلق البديل.

وقع خلاف كبير بين مدارس السياسة, في نهاية القرن التاسع عشر, وبداية القرن العشرين, وانقسم هذا الخلاف في أساسه المنهجي إلى قسمين: قسم يرى بأن السياسة هي علم, لها ما للعلوم التطبيقية من آليات التعاطي مع الظاهرة السياسية؛ وأنها يجب أن تخضع, لثوابت وأدوات العلم التجريبية الحديثة؛ المدرسة الأخرى كانت ترى بأن السياسة, طالما أنها تتعلق بحوادث متغيرة, ومادتها الأحداث التي يصنعها البشر المتقلبي الأمزجة؛ فإن إخضاعها لأدوات الثبات العلمي, هو ضرب من الوهم والخيال.

كلا الرأيين يحوي شيئا من الصحة والصواب؛ ولأجله كانت السياسة موطن تغيير مستمر, بحسب تغيير المواقف البشرية, المكونين للظاهرة السياسية؛ لذا نجد أن المعادلة السياسية وفي كل بلد, في الوقت الحاظر- لكي تستمر- يجب عليها ان تتعرض لعوامل التغيير والتجديد, وإضفاء عامل التلوين, المستوفي لكل المتضادات الآديولوجية, والتوجهات المفاهيمية, المسيرة لأي عملية سياسية.

في هذه المرحلة, ستقف المشاكل الكبيرة والكثيرة التي أصابت العراق, حائلا أمام حلّها, حصول التغيير؛ والتغيير في أساسه لا يتم في هذه الأيام, من قبل الدول العظمى أو الدول الإقليمية, كما يظن واهما الكثير منا؛ بل أن التغيير هو عملية مناطة بالأفراد, من المواطنين, وفقط هم من يستطيع التغيير.

هذه الفترة هي مفصلية في تأريخ العراق, ستذكرنا الأجيال من بعدنا؛ سنُشتَم, أو نُمتدح ونُخَلَد؛ لا أريد أن أتحدث معكم كمسلمين, فأنا الآن إنسان, وفقط إنسان بعيدا عن الأديان, والطوائف والملل والنحل؛ وأقول لكم: ايها الحكيميون، وايها الصدريون؛ إسعوا إلى التغيير , فالكرة اليوم في ملعبكم .