20 مايو، 2024 12:22 م
Search
Close this search box.

ليست هناك بساطةٌ في (الأمر الذي في غاية البساطة ) ليست هناك بساطةٌ في (الأمر الذي في غاية البساطة )

Facebook
Twitter
LinkedIn

في كتابه (فائدة الشعر ) وضمن تجربته الشعرية ذكر إليوت إن الحياة الإنسانية إنما هي مناسبات تتيح للإنسان أن يختبر ذاته سواء بالمحسوس أو بالمدرك أو بكليهما معا، والشعر بتقديره عمل مكثف يتداعى ليشمل الظاهرة من جوانبها المتعددة ويحقق من ذلك جاذبية النص المركزية في ظل وسائل معينة يستخدمها الشاعر لتحقيق غايته ،

وقد أتاح لي هذا الوصف واجهة إستدلالية أضاءت لي بموجبها النص المنشور في الجسرة الألكترونية ( الأمر في غاية البساطة ) للشاعرة بريهان الترك حيث عرضت مقتنياها النفسية عبر مقودها الإستذكاري مع الإفادة من موجودات غرضها الشعري لبلوغ الفنية الجمالية وتعزيز تواردها المتسلسل والمنطقي ، وهذه التحضيرات تعتبر بمثابة الكشف الأولي لمساحة النص وطبيعة حركة الأشياء ضمن هذه المساحة المفترضة وكذا الموصلات التي يمكن من خلالها إحداث المتغيرات في الناقل التخيلي أو الناقل

العقلي بضمانة لغة مطواعة تتصف بإنسجام تكاملي في بنائها التتابعي بين الفكرة والصورة الصوتية والتي أرادت الشاعرة الترك أن القصد من ذلك ليس القصد الفيزيائي للصوت إنما الصورة السيكولوجية له وبعبارة أدق أي الإنطباع أو الأثر الذي تتركه في الحواس ،

إن نظام الكتابة في هذا النص يقوم على وعي المستحضرات بتقنية إختيارية مقننة ثم إستجلاء مضامين القفزات الموحدة من نص لآخر لتشكل مجموعة النصوص القصيرة وحدة تكاملية في بنيتها الرؤية وفي تلازم معطياتها ثم وحدة المضمون في إطار الشكل العام المخطط لبلوغ ترتيباتها المختارة ،وهذا يعني أن هناك دراية مسبقة في اللاوعي تقوم على فكرة (العائلة) ثم خطاب الأنا للإرتباط بمنظومة الرموز والإشارات لزمن نأت الشاعرة من جعله علامة فارقة في الأحداث كي لاتسطو الوقائع على الأبعاد الجمالية في النص فكان الإختزال الزماني والمكاني صائبا في تشريح المكامن الروحية والوجدانية وتوجيه الخطاب بمهارة شعرية لخلق التجانس المزاجي نحو القوى الإستدلالية مابين الموت والحياة ، وبموجب تلك المهارة فقد أتمت توجهها ليس عبر إستكمال عمل المشهد الشعري وحاجة المشاهد الأخرى لإجراء التغييرات الداخلية والتي تأتي ضمن سياقات تنظيم المخيلة ولوازم علاقات الأشياء التي تمكن من القبض على المهم والأهم من المحتوى التجريدي ضمن النص الشعري ، ولعل الإنتماء الى تجسير

حداثوي للعبارة وبنيتها وتهشيم بعض المقاطع وخلق بدائل مزدوجة عنها يوضح أن الأمر (ليس في غاية البساطة ) وهو الأمر القطعي الذي أسست له الترك وأشتغلت عليه من محاور مقربة ومن محاور غير مرئية الأمر الذي أوجد حسا عميقا لقبول المناورة والإلتفاف على معنى المعنى والإصطفاف خارج التقليدية وبذلك يمكن إعتبار هذا النص أو بالأحرى مجموعة النصوص ضمن النص مجموعة من الرغبات ، مجموعة من الإستبدالات ، مجموعة من النوازع والمفارقات ، مجموعة من المصائر المحتومة ، مجموعة من الطُرز ،مجموعة من الخبرات الاضافية التي عملت بصيغة موحدة إزاء غاية فلسفية من أجل تعنيف الحقائق وتقديم اللامتوقع كبديل جمالي لإغراء المتلقي والإنصياع لشراكة الممتع والمقدس ونشوة النبوءة رغم أن الأمر ليس في غاية البساطة :

الأمر في غاية البساطة

سأذهب إلى المقبرة وأنده باسم

كل من مات لي

ثم أعود بهم إلى البيت ليستحمّوا

من غبار العزلة

سأتصل بكل من حفر لي حفرة

ووقعت بها لنشرب القهوة

سأشتري لكل المرضى صحة يبيعها

بائع متجول بمعية غزل البنات

سألملم عاشقين تفرقا في بيت صغير

سأهدي الأيتام آباء وأمهات

وسأعطي كل امرأة عاقر وأب عقيم

طفل ملفوف بورق سوليفان

هذه أمور سأنجزها على عجل

الأمر في غاية البساطة!

إن محاولة تعزيز ملكات الإدراك وتحريرها من عوالقها الموروثة يتم بتعبير (باوند ) بإعطاء المتلقي أعينا جديدة وليس في تطبيعه لرؤيا الأشياء الجديدة ، لذلك نجد في نصوص الشاعرة براعة في تثبيت عدد من الأهداف التي تعني فعالية تجربتها الشعرية ، تسجيلها للتجربة الوجدانية الحياتية ، ضمان قواها الشعرية المنشِطة، تعزيز قدرات اللغة وتفجير لحظاتها الإدراكية ،البلوغ الآمن للمعالجات المباشرة ،إنتاج رؤى خيالية جديدة ، إستقطاب الأشكال القائمة بذاتها ،لذلك فأن كل ماأنتجه النص قد أتاح لنا فرصة لوجودنا بين ذلك النسيج من الحاجات والغايات

والنوايا التي شكلت بعدها الإشراقي ورسائلها الوجودية ونقلتنا الى عالم فسيحٍ تسيح فيه الهموم البشرية ،

[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب